أعمال القلوب كالمحبة والخوف والرجاء… من أهم الواجبات، وأعظم القربات فهي واجبة في كل وقت وعلى جميع المكلفين، كما أنها آكد شعب الإيمان ولذا كانت هي الأصل وأعمال الجوارح تبع.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: “القلب ملك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده” الفتاوي 10/15.
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: “مبدأ التكاليف كلها ومصدرها القلب، وصلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب، ولذلك قال النبي صلى اله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” أي: إذا صلحت بالمعرف ومحاسن الأحوال والأعمال صلح الجسد كله بالطاعة والإذعان، وإذا فسدت بالجهالات، ومساوئ الأحوال والأعمال فسد الجسد كله بالفسوق والعصيان” قواعد الاعحام 1/167.
وقال ابن مفلح رحمه الله: “صلاح القلوب رأس كل خير وفسادها رأس كل شر” آداب الشرعية 3/124.
ومن ثم كانت أعمال القلوب هي الأساس وهي الأصل المعول عليه من الأعمال.
يقول ابن تيمية رحمه الله: “إن أصل الدين هو الأمور الباطنة من العلوم والأعمال، وأن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها” الفتاوي 10/15.
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله: “من تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح فعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت” بدائع الفوائد 3/224.
ولأجل ذلك اهتم سلفنا الصالح رضوان الله عليهم بأعمال القلوب، وسعوا إلى تحقيقها فِقها وسلوكا.
قال بعض السلف: ما سبقكم أبو بكر بكثر صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره، قال بعضهم: الذي كان في صدر أبي بكر رضي الله عنه: المحبة لله والنصيحة لعباده.
وقال أحد السلف إنما تفاوتوا (أي: السلف) بالإرادات (إشارة إلى أعمال القلوب) ولم يتفاوتوا بكثرة الصيام والصلوات. انظر المحجة لابن رجب رحمه الله 53-54.
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: “داوي قلبك فإن حاجة الله إلى عباده صلاح قلوبهم” حلية الأولياء 2/157.
“وكان للحسن البصري رحمه الله مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلى في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرم وقال: إنما خلونا مع إخواننا نتاذكر” السير 4/579.
قال ابن رجب رحمه الله في المحجة: “فأفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان”.
وعليه فإن “معرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح، إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عنها” بدائع الفوائد 3/224