أول من أطلق مصطلح “ختم الولاية” على أصول التصوف هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي والمشتهر بالحكيم الترمذي[1]، إذ جعل مذهبه كله قائم على الولاية، ومؤلفاته وآثاره التي خلفها خير شهاد على ذلك منها كتاب :”ختم الأولياء” و”سيرة الأولياء”، و”عمل الأولياء”.
وقد تطورت هذه النظرية عند الترمذي حتى أدت إلى تفضيل الولي على النبي وإحداث رتبة للولي تسمى “خاتم الأولياء”، استفادها منه ملاحدة التصوف وفلاسفته أمثال ابن عربي وبن سبعين وغيرهما.
وقد تقوَّل أقوالا خطيرة؛ استغلها الزنادقة منها قوله: “وقد يكون من الأولياء من أرفع درجة” ويحتج بحديث (يغبطهم به النبيون) ويقول معلقا على ذلك: (لو لم يكونوا أفضل لما غبطوهم).. والتي أدت إلى رميه بالكفر ونفيه من بلده ترمذ.
مجمل كلام العلماء في “الحكيم الترمذي”:
- جاء في تذكرة الحفّاظ[2]:
قال السلمي: (وهو أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي المشهور) نفوه من ترمذ بسبب تأليفه كتاب “ختم الولاية” و”كتاب علل الشريعة”؛ وقالوا: زعم أن للأولياء خاتما وأنه يفضل الولاية، واحتج بقوله عليه السلام: (يغبطهم النبيون والشهداء) وقال: (لو لم يكونوا أفضل لما غبطوهم) فجاء إلى بلخ فأكرموه لموافقته إياهم في المذهب، قلت عاش نحوا من ثمانين.
- وجاء في “السيّر”[3] للإمام الذهبي رحمه الله تعالى:
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أخرجوا الحكيم من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر وذلك بسبب تصنيفه كتاب “ختم الولاية” وكتاب “علل الشريعة” وقالوا إنه يقول إن للأولياء خاتما كالأنبياء لهم خاتم وإنه يفضل الولاية على النبوة واحتج بحديث (يغبطهم النبيون والشهداء) فقدم بلخ فقبلوه لموافقته لهم في المذهب.
وقال السلمي هُجر لتصنيفه كتاب “ختم الولاية” و”علل الشريعة” وليس فيه ما يوجب ذلك ولكن لبعد فهمهم عنه.
قلت: (أي الإمام الذهبي) كذا تكلم في السلمي من أجل تأليفه كتاب “حقائق التفسير” فيا ليته لم يؤلفه. فنعوذ بالله من الإشارات الحلاجية وانضاف البسطامية وتصوف الاتحادية فوا حزناه على غربة الإسلام والسنة قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا يتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام. اهـ
- وأبو عبد الرحمن السلمي هو أحد كبار الصوفية في عصره وهو ثقة عند أنصار التصوّف والخرافة بلا شكّ.
- وجاء في لسان الميزان[4] للحافظ ابن حجر(بتصرف):
محمد بن علي بن الحسن بن بشير الترمذي المؤذن المعروف بالحكيم أبو عبد الله.. ذكره أبو عبد الرحمن في طبقات الصوفية قال: له الشأن العالي والنعت المشهور، كان يقول: (ما وضعت حرفا على حرف لينقل عني ولا لينسب إلي شيء منه ولكن كنت إذا اشتد علي وقتي أتسلى بمصنفاتي…!!!).
قال السلمي: وقيل أنه هُجر بترمذ في آخر عمره بسبب تصنيفه كتاب “ختم الولاية” و”علل الشريعة” .قال فحمل إلى بلخ فأكرموه لموافقته لهم في المذهب يعني الرأي. وبلغني أنّ أبا عثمان سئل عنه فقال: (تنبؤا عنه شرا سبب).
وذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة يحكي بهاتين الكتابين عن السلمي قال كان من كبار الشيوخ (أي شيوخ الصوفية)؛ وله تصنيف في علوم القوم (أي الصوفية)، وذكره القاضي كمال الدين بن العديم صاحب تاريخ حلب في جزء له سماه (الملحة في الرد على أبي طلحة) قال فيه:
“وهذا الحكيم الترمذي لم يكن من أهل الحديث ولا رواية له ولا أعلم له تطرقة وصناعة وإنما كان فيه الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف عن الأمور الغامضة والحقائق؛ حتى خرج في ذلك عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه بذلك والإزراء وطعن على أئمة الفقهاء والصوفية وأخرجوه بذلك عن السيرة المرضية، وقالوا: إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة، وملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة، وحشاها بالأخبار التي ليست بمروية ولا مسموعة، وعلل فيها جميع الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل ما أضعفها وما أوهاها.
قلت: (أي الحافظ ابن حجر) ولعمري بن العديم في ذلك ولولا أن كلامه يتضمن النقل عن الأئمة أنهم طعنوا فيه لما ذكرته ولما صليت لهذا الرجل مع جلالته على ترجمة شافية والله المستعان. اهـ المقصود منه.
- ونقل في كشف الظنون[5] عن الصوفي التاج السبكي ابن الصوفي تقي الدين السبكي خبر إخراج أهل السنّة للحكيم من ترمذ لسوء مقالته.
- وقال أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي في “الفروع”[6]: (رأيت أكثر العباد على غير الجادة فمنهم من صح قصده، ولا ينظرون في سيرة الرسول وأصحابه ولا في أخلاق الأئمة المقتدى بهم، بل قد وضع جماعة من الناس لهم كتباً فيه رقائق قبيحة، وأحاديث غير صحيحة، وواقعات تخالف الشريعة، مثل كتب الحارث المحاسبي وأبي عبد الله الحكيم الترمذي وأبي طالب المكي.
والبقية تأتي بحول الله وتوفيقه.
[1] – الحكيم الترمذي الذي نحن بصدد الكلام عنه ليس هوالإمام أبو عيسى ابن سورة الترمذي صاحب السنن المعروف عند العامّة وإنّما الحكيم الترمذي هذا شخص آخر مختلف تماما عن الإمام الترمذي صاحب السنن بل الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض!فالأوّل:”الحكيم” صوفي خرافي (كما سيأتي) والثاني “ابن سورة” سنّي سلفي من أهل الحديث رضي الله عنه وأرضاه.
[2] – (2/645) دار الصميعي، الرياض، ط1 سنة 1415، تحقيق العلامة حمدي السلفي.
[3] – (13/440) وما بعدها بتصرّف، مؤسسة الرسالة، ط 9 سنة 1413 تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد العرقسوسي.
[4] – (5/30) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط3 سنة 1406 هـ تحقيق: دار المعرفة النظامية، الهند
[5] – كشف الظنون 1/9 دار الكتب العلمية 1413هـ .
[6] – الفروع: 6/381.