أرسل الله سبحانه رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وجاءوا من عند الله مبشرين ومنذرين متحدين على هدف واحد، يدعون إلى عقيدة واحدة التي هي محور دعوة جميع الرسل من نوح عليه السلام إلى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعث رحمة للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وسار على نهجهم السلف الصالح، يستلهمون سر وحدتهم من صفاء العقيدة الخالصة التي لم تشبها شائبة، فأصبحوا بذلك سادة الدنيا، وفتح الله لهم أبواب الخير في كل مكان ورفعوا راية التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، لأن الذي بدءوا به هو الأهمُّ قبل المُهم، وانطلاقهم في دعوتهم من تحقيق كلمة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، لأن ذلك هو الأساس الذي أمروا أن يبدءوا به.
قال الله تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ”، وقال تعالى: “واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً”.
إن العقيدة مهمة جداً لنيل المقصود في الدنيا والآخرة، فهي أساس كل عمل، تكفر الذنوب والكبائر إذا صدرت عن إخلاص وقوة إيمان، فقد روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث صاحب البطاقة المشهور، حين نشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، ثم أتي ببطاقة فيها “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله” فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة.
فالعقيدة هي رأس الأمر كله والجسد لا يستقيم بلا رأس، لكن الأمر اليوم قد تبدل في أهمية العقيدة والدعوة إليها، فقد يرتكز الداعي إلى أمور لا تستقيم إلا بالعقيدة، فبعضهم يدعو إلى مكارم الأخلاق أو يدعو إلى السياسة وبعضهم يدعو إلى صفاء النفوس وطهارتها، لكن لا أهمية لهذه الأمور إن لم يكن الأساس قد وضع لها، وهي العقيدة الصافية الخالصة من كل شائبة فترى بعض الغيورين يبدؤون بالدعوة إلى بعض الفروع، ويزعمون أنها متى أقيمت فسوف يتحقق المقصود تلقائياً..
إن الدعوة الصحيحة هي التي تقام على ما قامت عليه دعوة الأنبياء والسلف الصالح من بعدهم، الذين جعلوا الدين وحدة متكاملة ينطلق في السياسة والأخلاق وجميع أمور الحياة من العقيدة الإسلامية الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة، وعند الهتاف بأن الدعوة لا بد أن تقوم على أساس العقيدة لا يعني هذا أبدا إهمال الجوانب الأخرى إنما المقصود والمعنى أن تكون الدعوة إلى العقيدة هي الأصل والباقي تبع لها.