اعتاد أغلب المصلين التأخر عن المسجد فلا يحضرون غالباً إلا عند الإقامة أو بعدها، وكثيراً ما تفوتهم الصلاة أو جزء منها، وقد تقام الصلاة وليس في المساجد سوى عدد قليل، ثم ما أن تقام الصلاة حتى يتوافد المصلون سراعا إلى المسجد، رغم المدة الزمنية الفاصلة بين الأذان والإقامة تمتدُّ من عشر دقائق إلى خمسة عشر دقيقة.
إن المبادرة إلى المسجد وانتظار إقامة الصلاة والاشتغال بالذكر والقراءة والنوافل من أسباب المغفرة، ومن أعظم الخيرات، وهو دليل على تعظيم الصلاة وتعلق القلب بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه..” (التهجير: التبكير إلى الصلاة).
فالمنتظر الصلاة لا يزال في صلاة ما انتظرها، قال عليه الصلاة والسلام: “لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة” (متفق عليه) وفي رواية للبخاري: “لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة”.
إن الذي ينتظر الصلاة تصلّي عليه الملائكة وتدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه، ما لم يحدث أو يؤذِ، قال عليه الصلاة والسلام: “الملائكة تصلّي على أحدكم مادام في مصلاّه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه” (متفق عليه)، وفي رواية للبخاري: “ما لم يحدث فيه وما لم يؤذ فيه”.
إن انتظار الصلاة بعد الصلاة سبب في محو الخطايا ورفع الدرجات وهو من الرباط، قال عليه الصلاة والسلام: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “..إسباغ الوضوء على المكارة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط” (رواه مسلم).
إن في التبكير إلى المسجد ضمانا لإدراك صلاة الجماعة التي تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة كما في حديث ابن عمر المتفق عليه.
إن المبكّر إلى المسجد يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق” (رواد الترمذي، وحسنه الألباني).
إدراك الصف الأول الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: “لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهمُّوا عليه لأستهمُّوا” (متفق عليه). (يستهموا: أي يضربوا قرعة).
وقال عليه الصلاة والسلام: “خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها” (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدّم” (رواه النسائي وصححه الألباني)، وكان صلى الله عليه وسلم “يستغفر للصف المقدّم ثلاثا وللثاني مرّة” (رواه أحمد وصححه الألباني).
إن المبكر إلى المسجد يتمكن من الإتيان بالنوافل المشروعة بين الأذان والإقامة، المقيّد منها وهي: راتبة الفجر والظهر والمطلق وهو ما دل عليه حديث: “بين كل أذانين صلاة، لمن شاء” (متفق عليه)، والمراد بين كل أذان وإقامة، وحديث: “ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان” رواه ابن حبان وصححه الألباني.
إن التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة سبب في حضور القلب في الصلاة وإقبال المرء على صلاته وخشوعه فيها، وذلك أنه كلما طال مكثه في المسجد وذكر الله زالت مشاغله ومعلقاته الدنيوية عن قلبه، وأقبل على ما هو فيه من قراءة وذكر، بخلاف المتأخر فإن قلبه لا يزال مشغولا بما هو فيه من أمور، ولذا فإننا نلاحظ أن أوائل الناس دخولا المسجد آخرهم خروجا، وآخرهم دخولا المسجد هم أوائلهم خروجا -في الغالب-.