هناك آيات كثيرة في حفظ اللسان, والترهيب من إطلاقه بغير تدبُّر, منها قول الله تعالى: “مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” وقوله تعالى: “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا” إلى غير ذلك من الآيات.
وثبت في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.
وقال عليه الصلاة والسلام: “من يضمن لي ما بين لحييه, وما بين رجليه, أضمن له الجنة” البخاري.
وفي المقابل وردت أحاديث كثيرة في فضل ذكر الله تعالى وكتب السنة والأذكار مليئة بها, من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لرجل قال له: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي! فأوصني, قال: “لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله” صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: “سبق المفردون قالوا: وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات” رواه مسلم.
فالعاقل خصم نفسه, ومن تدبر ما ورد في حفظ اللسان عن اللغو وفضل الذكر, فإنه ولا شك سيشغل نفسه بما يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة, ويتجنب بذلك الآفات والشرور.
قال السعدي رحمه الله:
ولو لم يكن في ذكره غير أنه *** طريق إلى حب الإله ومرشد
وينهى الفتى عن غيبة ونميمة *** وعن كل قول للديانة مفسد
الدرة الفاخرة 17.
وقال ابن القيم رحمه الله في معرض كلامه عن فضائل الذكر: “أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب, والفحش والباطل, فإن العبد لا بد له أن يتكلم, فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره, تكلم بهذه المحرمات أو بعضها, ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى, والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك, فمن عوَّد لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو, ومن يَبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطَّب بكل باطل ولغو وفحش” الوابل 87-88.
وعليه كان ذكر الخلق من الأدواء, وذكر الله من أعظم الدواء.
قال ابن عون رحمه الله: “ذكر الناس داء, وذكر الله دواء”.
قال الذهبي معلقا: “اي والله, فالعجب منَّا ومن جهلنا, كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟! قال الله تعالى: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” وقال: “وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ” وقال: “الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”, ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله, ومن أدمن الدعاء ولازم قَرْعَ الباب فتح له” السير 6/369.
وقال السعدي رحمه الله في فتاويه في معرض نصحه للمتعلمين: “وليحذر من الاشتغال بالناس, والتفتيش عن أحوالهم, والعيب لهم, فإن ذلك إثم حاضر, والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم, ولأن غيرهم يقتدي بهم…ولأن الاشتغال بالناس (1)يضيع المصالح النافعة, والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إلا بيانا لحق, أو ردا لباطل, أو نقضا لبدعة, أو تحذيرا من منحرف مضل -بالضوابط والشروط الشرعية-.