مئات الملايين من المسلمين يحفظون سورة الضحى، ولكن كم هم الذين استوقفتهم هذه الآية: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} (الضحى:7)؟!
وأحسن ما تفسر به الضلالة هنا هو ما قاله الله تعالى في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ} (الشورى : 52).
وقبل أن نتملى شيئاً من معاني هذه الآية الكريمة، فلنعد قليلاً إلى ما قبل النبوة، ولننظر في سيرته صلى الله عليه وسلم!
لقد عرف صبيان المسلمين -الذين درسوا مبادئ السيرة النبوية- أنه صلى الله عليه وسلم كان يُعرف بين قومه وعشيرته بالصادق الأمين، وعرفه قومه بأحسن الخلال، وأطيب الخصال مع شرف النسب، وطيب الأرومة، عرفوه كما يعرف الناس أبناء قريتهم الصغيرة، التي تُعْرَفُ فيها أحوال النساء فضلاً عن أحوال الرجال، وكان هذا أحد الأدلة الدامغة التي احتج الله بها على الكفار الذين كذبوا دعوته: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} (يونس:16)، {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (المؤمنون:69).
هذا النقاء والصفاء، وتلك الروعة والتألق في حياته صلى الله عليه وسلم لم تكن شيئاً يذكر بالنسبة إلى حياته بعد نـزول الوحي، وأين الثرى من الثريا؟ ولستُ أجد أبلغ ولا أصدق من تعبير القرآن: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}.
بل تأمل حاله صلى الله عليه وسلم حين انقطع الوحي عنه فترة من الزمن، جعلت ألسنة أعدائه تتفوه بما تفوّهت به؛ فضاق لذلك صدره، وحزن لانقطاع الوحي الذي ذاق لذته، واستشعر عظيم أثره عليه..
إذا تبيّن هذا، فإن فهم هذا المعنى الذي أشارت إليه هذه الآية العظيمة، وألمحت إليه، لمن أبلغ ما يوضح خطورة البعد عن هذا المصدر، إذ إن هذا يعني: الجهل والضلال والعمى والحيرة والبؤس.
فمن لم يتضح له هذا المعنى، فليقرأ إذاً: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام:122).
وليقرأ: {الر كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم:1). والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
إن من المؤلم أن يسمع الإنسان -من بعض المنتسبين إلى هذه الأمة- من يزهّد في نصوص الوحي -قرآناً وسنة- بل ويصرح بعضهم بكلماتٍ خطيرة الدلالة والمآل تدور على أن زمنية الوحي؛ وأن صلاحيته محدودة بزمن معين؛ أو ظرف معين؛ بل من يرى أن سبب تخلف الأمة هو تمسكها بهذا القرآن، فأنى لهؤلاء أن يستضيئوا بنور الوحي؟!
ويزداد الألم ممزوجاً بالفرح حينما يسمع -في مقابل هؤلاء- من مفكرين مستقلين من الغرب والشرق ممن أسلموا بسبب قناعتهم بصدق ما جاء به هذا القرآن.
يقول المفكر الفرنسي فنساي مونتاي( ): “إن مثل الفكر العربي الإسلامي المبعد عن تأثير القرآن، كمثل رجلٍ أُفرغَ من دمه!”( )، ونصوص مفكري الغرب في هذا الباب أكثر من أن تحصر. (انظر: القرآن ودوره في النهوض بالأمة؛ د.عمر المقبل).