أجمع العلماء على بطلان صلاة من سُلِّم عليه في صلاته ورد السلام بالكلام. انظر المدونة 1/99، وبدائع الصنائع1/237، والمجموع 4/103، والمغني 2/460. وأما ردُّ السلام في الصلاة من المصلي بالإشارة أو رده لفظا بعد الفراغ من الصلاة، فالصحيح من قولي الفقهاء مشروعيته وهو قول الجمهور من المالكية عليهم رحمة الله وغيرهم. انظر المدونة 1/99 وقوانين الأحكام الشرعية 83، وانظر نسبة هذا القول إلى جمهور العلماء في الفتح لابن حجر رحمه الله 3/ 87 وشرح مسلم للنووي رحمه الله 5/27.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “خرج رسول اله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول: هكذا وبسط كفه وبسط جعفر بن عون (أحد رجال السند) كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق” صحيح سنن أبي داوود 1/174. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه فدخل عليه رجال يسلمون عليه فسألت صهيبا وكان معه: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سلم عليه؟ قال: كان يشير بيده” صحيح سنن ابن ماجة 1/167.
وفي رواية عن صهيب: “… إشارة بإصبعه” انظر صحيح سنن أبي داوود 1/174. قال القاضي ابن العربي المالكي رحمه الله عن رد السلام بالإشارة في الصلاة: “…ففيها الآثار الصحيحة كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قباء وغيره” انظر عارضة الأحوذي 2/162.
قال الشوكاني رحمه الله بعدما ذكر روايات هذا الباب: “…ولا اختلاف بينها فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ومرة بجميع يده ويحتمل أن يكون المراد باليد الإصبع حملا للمطلق على المقيد…، وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ: “فأومأ برأسه” وفي رواية له: “فقال برأسه” يعني: الرد، ويُجمع بَيْن الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزا” نيل الأوطار 2/378 بتصرف يسير.
ومما يشرع كذلك في هذا الباب –كما أسلفنا- رد السلام بعد الفراغ من الصلاة. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين سَلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد السلام فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: “إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث من أمره ألا تكلموا في الصلاة” فرد عليه السلام. صحيح سنن أبي داوود 1/174.
قال الخطابي رحمه الله: “رد السلام في الصلاة قولا ونطقا: محظور. ورده بعد الخروج من الصلاة سنة، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام. والإشارة حسنة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار في الصلاة” معالم السنن 1/434.