تعريف العقد الفاسد
قال القرطبي رحمه الله: (كل ما لا يجوز بيعه ولا العقد عليه، ولا العمل في البيوع به، فهو من البيوع الفاسدة، وكذلك ما جاءت الآثار بالنهي عنه)[1].
هل يفسد العقد الفاسد الملك
الذي عليه الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن العقد الباطل لا يترتب عليه أي أثر ويجب فسخه حقا لله تعالى، إذ هو منهي عنه شرعا ومادام كذلك فإنه لا يصلح سببا لأن يترتب عليه أثر، والإقدام عليه مع العلم ببطلانه حرام يأثم فاعله لارتكابه المعصية بمخالفة المشروع، ومن ثم إذا وقع البيع الباطل وحدث فيه تسليم شيء من أحد الطرفين وجب رده لعدم إفادة العقد الباطل الملك وإن حصل القبض، ويجب على كل من الطرفين رد ما أخذه[2] قال شيخ الاسلام: “المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه التراد من الجانبين، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه[3]“، وهذا ما لم يكن محل العقد عينا أو منفعة محرمة فإنه لا يشرع رد العوض لمن بدل العين أو المنفعة المحرمة، كما سنبينه في المسألة التالية.
أسباب فساد العقد
إن بطلان العقد يكون بسببين:
السبب الأول: أن يكون محل العقد عينا محرمة أو منفعة محرمة.
فالعين المحرمة: كالخمر والخنزير والأصنام وما أشبه ذلك.
وأما المنفعة المحرمة: فكمن أجَّر بيته ليكون دارا للبغاء أو أجر نفسه لحمل خمر أو تعليم غناء، فتأجير البيت للبغاء وحمل الخمر وتعليم الغناء هذه منافع محرمة، يحرم العقد عليها فمن عقد كان عقده باطلا.
السبب الثاني: أن يكون بطلان العقد بسبب فوات ركن أو شرط من شرائطه، كما لو كانت السلعة غيرمقدورة التسليم أو لم تتوفر في العاقدين أو أحدهما أهلية العقد[4].
* حكم العوض المبذول في العقد الباطل بسبب حرمة العين أو المنفعة المعقود عليها.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:
“فإن قيل فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت، هل يجب عليها ردّ ما قبضته إلى أربابه، أم يطيب لها أم تصدّق به؟
قيل هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذه بغير رضى صاحبه ولا استوفى عوضه، ردّه عليه، فإن تعذّر رده عليه قضى به دينا يعلمه عليه، فإن تعذّر ذلك ردّه إلى ورثته، فإن تعذر ذلك تصدّق به عنه.. وإن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو على فاحشة فهذا لا يجب ردّ العوض على الدافع لأنه أخرجه باختياره، واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العِوَض والمُعوَّض.
فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسير أصحاب المعاصي عليه.. فطريق التخلص منه، وتمام التوبة بالصدقة به، فإن كان محتاجًا إليه، فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي، فهذا حكم كل كسب خبثٍ لخبث عوضه عينا كان أو منفعة، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب ردّه على الدافع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث كسب الحجام، ولا يجب ردّه على دافعه[5].
[1] ) الكافي في فقه أهل المدينة ص354.
[2] ) انظر أحكام المال الحرام لعباس الباز ص96.
[3] ) اقتضاء الصراط المستقيم ص247-248.
[4] ) انظر أحكام المال الحرام (96-100).
[5] ) زاد المعاد (5/690-691) باختصار.