النهي عن بيع المرء على بيع أخيه المسلم
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يبيع بعضكم على بيع أخيه”1.
وفي رواية “إلا أن يأذن له”2.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن أخو المؤمن؛ لا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر”3.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي للركبان؛ الحديث وفيه وأن يستام الرجل على سوم أخيه”4.
تضمنت هذه الأحاديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سوم أخيه.
صورة البيع على البيع
وصورة بيع الرجل على بيع أخيه: أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة أو أعطيك خيرا منها بمثل ثمنها ونقر ذلك؛ ليفسخ البيع ويعقد معه.
قال الفقهاء: ومحل النهي أن يبيع على بيع أخيه في زمن الخيارين -خيار المجلس أو خيار الشرط- واختار ابن القيم وابن رجب وكثير من المحققين التحريم ولو فات زمن الخيار5.
قال ابن القيم رحمه الله: “ولا يقال العقد لم يتم والشراء على شرائه هو أن يطلب من البائع فسخ العقد في مدة الخيار ويعقد معه هو لعدة أوجه:
أحدها: أن هذا حمل للحديث على الصورة النادرة والأكثر خلافها.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن ذلك بخطبته على خطبة أخيه وذلك إنما يكون قبل عقد النكاح.
الثالث: أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يسوم على سوم أخيه وذلك أيضا قبل العقد.
الرابع: أن المعنى الذي حرم الشارع لأهله ذلك لا يختص بحالة الخيار بل هو قائم بعد الركون والتراضي وإن لم يعقده كما هو قائم بعد العقد6. اهـ كلامه رحمه الله.
المعنى الذي حرم الشارع لأجله بيع المسلم على بيع أخيه
1- أنه سبب لإيقاع المشتري في الندم والحسرة.
2- أنه ذريعة إلى وقوع العداوة والبغضاء بين البائع وبين أخيه –أي بين البائع الثاني والبائع الأول- لأن البائع الأول يرى بأن البائع الثاني ظلمه بتفويت البيع عليه.
3- أنه ربما ذهب المشتري –ولو بعد انقضاء الخيار وانعقاد البيع- ليتحيل ويبحث عن سبب يبيح له الرد والفسخ7 وهذا يقوي مذهب من قال إن النهي شامل لزمن الخيار وما بعده.
صورة السوم على السوم
قال عبد الرحمن الوكيل في حاشية الإعلام: “المساومة: المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها؛ يقال سام يسوم سوما وساوم واستام والنهي عنه أن يتناول المتبايعان في السلعة ويتقارب الانعقاد فيجيء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة ويخرجها من يد المشتري الأول بزيادة على ما استقر عليه الأمر بين المتساومين ورضيا به قبل الانعقاد” انتهى كلامه رحمه الله 8.
مسائل:
1)- يدخل في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سوم أخيه:
– الإجارة على الإجارة: وصورة ذلك أن يقول رجل لمن استأجر بيتا: أنا أكريك مثله أو خيرا منه بأقل مما اكتريت به ونحو ذلك.
– الاستئجار على الاستئجار: وصورته أن يقول رجل لمن أجَّر بيتا: أنا أستأجره منك بأكثر مما أجَّرت به لفلان ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام: ومثل تحريم البيع على بيع أخيه سائر العقود وطلب الولايات ونحوها لأنه ذريعة إلى التباغض والتمادي.
2)- اختلف العلماء في بيع المسلم على بيع أخيه إذا وقع هل يصح أو لا يصح؟ على قولين:
القول الأول: أن البيع صحيح مع وجود الإثم وهو قول جمهور العلماء ومنهم الحنفية والشافعية وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن البيع باطل وهو المعتمد عند المالكية ورواية للحنابلة وقول الظاهرية9.
3)- إذا كانت السلعة تباع لمن يزيد في الثمن؛ فليس بحرام ولا مكروه؛ وهو ما يسمى ببيع المزايدة، وسيأتي تفصيل ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله؛ والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-رواه البخاري ومسلم.
2-أخرجه مسلم.
3-رواه مسلم .
4-متفق عليه.
5-انظر توضيح الأحكام لآل بسام 2/428.
6-اعلام الموقعين بتحقيق مشهور حسن آل سلمان 5/317.
7-انظر شرح بلوغ المرام لابن عثيمين 3/584
8-انظر حاشية إعلام الموقعين بتحقيق مشهور حسن آل سلمان 5/33.
9-انظر الزيادة وأثرها في المعوضات المالية لعبد الرؤوف الكمالي 1/199-200.