4- تعظيم الملك سبحانه وإجلاله
قال تعالى: “يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار” غافر، وقال تعالى: “..الملك يومئذ لله يحكم بينهم..” الحج، وقال جل وعلا: “الملك يومئذ الحق للرحمن” الفرقان، وقال سبحانه: “وله الملك يوم ينفخ في الصور” وقال تعالى في سورة الحمد: “مالك يوم الدين”…
ففي هذه الآيات وغيرها يخص الله تعالى يوم القيامة بالملك ويخبر أنه مالكه، مع أنه سبحانه مالك الدنيا والآخرة، لكن لما كان في هذه الدار من ينازعه الملك بل من يدعي الربوبية والألوهية كفرعون اللعين الذي قال: “أنا ربكم الأعلى” والذي قال: “ما علمت لكم من إله غيري”، لما كان في هذه الدنيا من الجبابرة والمستكبرين الذين ينازعون الله في ملكه وكبرياءه، خص الله هذا اليوم العظيم بالملك لأنه في هذا اليوم لا يبقى منازع، بل كل متكبر يأتي حقيرا ذليلا، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: “وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه.. وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هناك شيئا ولا يتكلم أحد إلا بإذنه..”.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟”.
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: “يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟..”.
فالإيمان بأن الله جل وعلا يتفرد بالملك في هذا اليوم العظيم الذي يتلاشى فيه كل ملك كان في الدنيا، في هذا اليوم الذي يشيب فيه الولدان وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، الإيمان بذلك يجب أن يثمر خشيته سبحانه وتعظيمه وتقواه حق التقوى.
5- توحيد الله تعالى ونبذ الشرك
من أعظم آثار الإيمان باسم الملك-المالك: تحقيق العبودية وإفراد الله جل وعلا بالإلوهية، فمن آمن حق الإيمان بهذه الأسماء لا يمكن أن يصرف شيئا من عباداته لغير الله لا لوثن ولا لقبر ولا لولي.. لأنه يعلم أن كل ذلك لا يملك نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا.
لذا نجد الآيات تترى في ذم المشركين وتسفيه أحلاهم حيث اتخذوا من دون الله شركاء ليس لهم من صفة الملك شيء، كما في قوله تعالى: “ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير” 13 فاطر، أي: “لا يملكون شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء، وهذا من تنصص النفي وعمومه، فكيف يدعون وهم غير مالكين لشيء من ملك السموات والأرض؟” .
وقال تعالى:” قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له من ظهير…” 22 سبأ، وهذه الآية قال عنها العلماء أنها اجتثت الشرك من جدوره ولم تترك لمشرك أدنى حجة في شركه، فنفى سبحانه عن كل الآلهة الباطلة أن يكون لها ملك استقلالا أو على سبيل الشرك، ومن لا يملك في هذا الكون ولا مثقال ذرة لا استقلالا ولا على وجه المشاركة لا يجوز أن يُصرف له شيء من العبادة، إذ العبادة حق للملك الحق سبحانه.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “وإذا كان وحده هو ربنا ومالكنا وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب سواه ولا يذل لغيره ولا يخضع لسواه ولا يتوكل إلا عليه…” .
6- عدم الطغيان بالملك
فلو أن كل ملك أو مالك في هذه الدنيا أيقن أن المَلك الحق هو الله تعالى لما تجبر أو طغى، لكن للأسف كثير ممن ملكهم الله شيئا من الملك -جاه أو مال أو سلطة…- يظن أنه المالك الحقيقي وينسى أنه مستخلف فقط فيما آتاه الله من ملك أو مال أو جاه…فيظلم الناس بغير حق ويتجبر ويبغي.
وقد ذكر الله جل شأنه في كتابه الحكيم نماذج عديدة لهذا الطغيان بسبب الملك، ونكتفي بنموذجين فإن فيهما عبرة لكل معتبر:
– الأول: قارون الذي قال: “إنما أوتيته على علم عندي”، فطغى ونسي أن الله تعالى هو الذي ملّكه ما يملك، فكانت نتيجة طغيانه: “فخسفنا به وبداره الأرض…”.
– الثاني: فرعون اللعين الذي قال تعالى عنه: “ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟”، فطغى بملكه طغيانا ليس بعده طغيان، فأهلكه الله.
ففي إهلاك هذين الطاغيتين بملكهما عبرة لكل من طغى بما أتاه الله من الملك.