– عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال: أصابته السماء يا رسول الله قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشّ فليس مني”1.
– عن عقبة بن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بيّنه”2.
من مسائل الباب
المسألة الأولى: مفردات الأحاديث
صُبْرة: بضم الصاد المهملة وسكون الباء الموحدة، وهي الكومة المعجونة من طعام وغيره، سميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض وضم بعضها على بعض، ومنه قيل للسحاب فوق السحاب “صبير”3.
أصابته السماء: أي المطر النازل من السماء.
المسألة الثانية: حكم إخفاء العيب والغش في البيع.
قوله صلى الله عليه وسلم: “من غشّ فليس مني”، فيه دليل على تحريم الغش. بل فيه أن الغش من كبائر الذنوب وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله، والبراءة من فاعله تقتضي أن يكون كبيرة، لأن من علامات الكبيرة أن يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من الفاعل4.
وقال الشوكاني رحمه الله:
“وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم.. الخ”: فيه دليل على تحريم كتم العيب ووجوب تبيينه للمشتري”5.
المسألة الثالثة:
قال الشوكاني: قوله: “فليس مني”، قال النووي: كذا في الأصول، ومعناه ليس من اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي.. وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول: بئس مثل القول، بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر. انتهى6.
المسألة الرابعة: (هل يجوز الغش في معاملة الكافر)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الغش كبيرة سواء كانت المعاملة مع مسلم أو مع كافر (لمطلق) قوله صلى الله عليه وسلم: “من غش”7.
المسألة الخامسة: تحذير
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام: ومما يؤسف له أن معاملات -أكثر الباعة الآن- جارية على هذا، لا يرون (في الغش) بأسا ولا يخشون من عمله عقابا، مما سبب منع القطر وحلول القحط ونزع البركة.
والغش محرم في كل عمل وصنعة ومعاملة فهو محرم في الصناعات ومحرم في الأعمال المهنية ومحرم في المعاملات ومحرم في العقود، ومحرم فيما تحت يد الإنسان من أعمال حكومية أو أعمال للناس.. فإن نصح وأخلص فيما وجب عليه أكل رزقا حلالا، وإن خان وغش ظلم نفسه وظلم غيره وأكل حراما8.
وللبحث بقية..
وبالله التوفيق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رواه مسلم.
2- رواه ابن ماجة وصححه الألباني انظر الإرواء (5/165).
3- انظر شرح مسلم للنووي (2/110).
4- انظر شرح بلوغ المرام لابن عثيمين (3/605).
5- نيل الأوطار (4/96).
6- المصدر السابق.
7- شرح بلوغ المرام لابن عثيمين (3/605).
8- توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/439).