شرح الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع الشيخ محمد برعيش الصفريوي

أهمية المشيخة والسند في القراءة 

من سنن القراء في علم القراءات والتجويد سنة التلقي والأخذ عن الشيوخ إذ القراءة سنة متبعة.
فعن زيد بن ثابت وابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنّة يأخذها الآخر عن الأول فاقرؤوا كما تعلمتموه..) (النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/17 والإتقان 1/204).
قال الشيخ محمد علي خلف الحسيني الشهير بالحداد شيخ القراء بالديار المصرية: (..وإذ قد علمت أن التجويد واجب وعرفت حقيقته علمت أن معرفة الأداء والنطق بالقرآن على الصفة التي نزل بها متوقفة على التلقي والأخذ بالسماع من أفواه المشايخ الآخذين لها؛ كذلك المتصل سندهم بالحضرة النبوية لأن القارئ لا يمكنه معرفة كيفية الإدغام والإخفاء والتفخيم والترقيق والإمالة المحضة أو المتوسطة والتحقيق والتسهيل والروم والإشمام ونحوها إلا السماع حتى يمكنه أن يحترز عن اللحن والخطأ وتقع القراءة على الصفة المعتبرة شرعا.
إذا علمت ذلك تبين لك أن التلقي المذكور واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو معلوم، ولأن صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم عن روح القدس عن الله عز وجل بالصفة المتواترة أمر ضروري للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ليتحقق بذلك دوام ما وعد به تعالى في قوله جل ذكره: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وحينئذ فأخذ القرآن من المصحف بدون موقف لا يكفي بل لا يجوز؛ ولو كان المصحف مضبوطا.
قال الإمام السيوطي: (والأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وأحكامه متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية) اهـ.
وعليه فلابد من القراءة والتلقي على شيخ له سند؛ والذي يقرأ بلا إسناد فإن قراءته غير مؤمنة لكن هذا لا يعني الجلوس دون تعلم القراءة حتى يوجد شيخ له سند، وأن من ليس له سند لا يحق له التعليم والتدريس، فإن هذا من تعسير القرآن الذي نزل ميسرا لأنه ليس كل أحد متاحا له القراءة والتلقي عن صاحب سند بل يتعلم الطالب حسب المتيسر له لأن القراءة هكذا أفضل من عدم القراءة أصلا؛ لكن على الطالب أن يسعى جاهدا في الوصول إلى شيخ صاحب سند.اهـ
وعليه فمن الخطأ الاعتماد على المصاحف والتلقي من الكتب دون شيخ؛ حتى قال بعضهم:
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة * يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم
ومن يكن آخذا للعلم من صحف * فعلمه عند أهل العلم كالعــدم
القول السديد في بيان حكم التجويد.
وروى الخطيب عن سليمان بن موسى أنه قال: «لا تقرءوا القرآن على المصحفيين ولا تأخذوا العلم من الصحفيين» الفقيه والمتفقه 2/249.
وروى ابن عساكر عن أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري حدثنا الوليد بن مسلم وقال لنا: لا تأخذوا العلم من الصفحتين ولا تقرءوا القرآن على المصحفيين إلا ممن سمعه من الرجال وقرأ على الرجال. تاريخ دمشق 63/292.
ولا يعني هذا طرح الكتب وعدم الاعتماد عليها بل إن الكتب مصادر ومراجع يرجع إليها للوثوق من المقروء به.
قال المرعشي رحمه الله تعالى: “..لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء ، والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد، بل نتأمل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان مسائل هذا الفنّ، ونفيس ما سمعنا من الشيوخ على ما أودع في الكتب، فما وافق فهو الحقّ وما خالفه فالحق ما في الكتب”.اهـ (بيان جهد المقل ص:18).
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *