الحكيم الحكم الحاكم جل في علاه الحلقة الواحدة والثلاثون ناصر عبد الغفور

(تتمة ذكر الأوجه التي ساقها الإمام ابن القيم رحمه الله في إثبات الحكمة لله تعالى):
* أمره سبحانه بتدبر كلامه والتفكر فيه وفي أوامره ونواهيه وزواجره، ولولا ما تضمنه من الحكم والمصالح والغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي هي محل الفكر لما كان للتفكر فيه معنى، وإنما دعاهم إلى التفكر والتدبر ليطلعهم ذلك على حكمته البالغة.
* إخباره عن صدور الخلق والأمر عن حكمته وعلمه، فيذكر هذين الاسمين عند ذكر مصدر خلقه وشرعه تنبيها على أنهما صدرا عن حكمة مقصودة مقارنة للعلم المحيط التام كقوله: “وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ”..
* إخباره بأن حكمه أحسن الأحكام وتقديره أحسن التقادير، ولولا مطابقته للحكمة والمصلحة المقصودة المرادة لما كان كذلك، قال تعالى: “وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ”..
* حمده سبحانه لنفسه عن جميع ما يفعله وأمره عباده بحمده، وهذا لما في أفعاله من الغايات والعواقب الحميدة التي يستحق فاعلها الحمد..
* اتصافه بالرحمة وأنه أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء، وذلك لا يتحقق إلا بأن يقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم وما أمرهم به، فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إليهم لما كانت رحمة..، فتعطيل حكمته والغاية المقصودة التي لأجلها يفعل إنكار لرحمته في الحقيقة وتعطيل لها.
وكان شيخ هذا المذهب جهم بن صفوان يقف على الجذامى ويشاهد ما هم فيه من البلايا ويقول: أرحم الراحمين يفعل هذا؟ يعني أنه ليس ثم رحمة في الحقيقة وأن الأمر راجع إلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة..
* جوابه سبحانه لمن سأله عن التخصيص والتمييز الواقع في أفعاله بأنه لحكمة يعلمها هو سبحانه وإن كان السائل لا يعلمها .

أقسام الحكمة:
حكمة الله تعالى نوعان حكمة في خلقه وحكمة في شرعه :
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:
“وحكمته نوعان:
– أحدهما الحكمة في خلقه فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملا على الحق وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ورتبها أكمل ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به.. فلا يرى أحد في خلقه خللا ولا نقصا ولا فطورا، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا وأنى لها القدرة على شيء من ذلك..
وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته.
– النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره: فإنه تعالى شرع الشرائع وأنزل الكتب وأرسل الرسل ليعرفه عباده ويعبدونه فأي حكمة أجل من هذا وأي فضل وكرم أعظم من هذا، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له وإخلاص العمل له وحده وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق..
فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات وأكمل اللذات، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار، لكانت كافية شافية.
هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير، فأخباره تملأ القلوب علما ويقينا وإيمانا وعقائد صحيحة وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد، وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الشرع الإسلامي: أنه كما هو الغاية لصلاح القلوب والأخلاق والأعمال والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا فلا تصلح أمور الدنيا صلاحا حقيقيا إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم..
وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *