آيات تفهم على غير وجهها سورة هود -2- إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَم مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الآية: 48).
ما المقصود بكلمة «أمم» الواردة في هذه الآية؟ وكيف أطلق {وعلى أمم ممن معك} على من معه في السفينة وهم قليل؟
قال القرطبي: {وعلى أمم ممن معك} قيل: دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة؛ ودخل في قوله {وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} كل كافر إلى يوم القيامة، روي ذلك عن محمد بن كعب؛ والتقدير على هذا: وعلى ذرية أمم ممن معك، وذرية أمم سنمتعهم.
قال العلامة بن عاشور: والأمم: جمع أمة؛ والأمة: الجماعة الكثيرة من الناس التي يجمعها نسب إلى جد واحد؛ يقال: أمة العرب، أو لغة مثل أمة الترك، أو موطن مثل أمة أمريكا، أو دين مثل الأمة الإسلامية، فـ«أمم» دال على عدد كثير من الأمم يكون بعد نوح عليه السلام.
وليس الذين ركبوا في السفينة أمما لقلة عددهم، لقوله: {وما آمن معه إلا قليل} (هود: 40).
وتنكير «أمم» لأنه لم يقصد به التعميم تمهيدا لقوله: {وأمم سنمتعهم}.
فالكلام بشارة لنوح عليه السلام ومن معه بأن الله يجعل منهم أمما كثيرة يكونون محل كرامته وبركاته؛ وفيه إيذان بأن يجعل منهم أمما بخلاف ذلك، ولذلك عطف على هذه الجملة قوله: {وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم}.
– قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَّرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (الآية: 71).
«فضحكت» يروج في بعض التفاسير أنها حاضت.
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في معنى قوله {فضحكت}، وفي السبب الذي من أجله ضحكت.
فقال بعضهم: ضحكت الضحك المعروف، تعجباً من أنها وزوجها إبراهيم يخدمان ضِيفانهم بأنفسهما، تكرمةً لهم، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون.
وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها.
وقال آخرون: بل معنى قوله: {فضحكت} في هذا الموضع: حاضت.
قال ابن الجوزي: في {فضحكت} ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب، قاله أبو صالح عن ابن عباس؛ والثاني: أن معنى «ضحكت» حاضت، قاله مجاهد وعكرمة.
قال ابن قتيبة: وهذا من قولهم: ضحكت الأرنب: إذا حاضت، فعلى هذا: يكون حيضها حينئذ تأكيدا للبشارة بالولد، لأن من لا تحيض لا تحمل؛ وقال الفراء: لم نسمع من ثقة أن معنى «ضحكت» حاضت؛ قال ابن الأنباري: أنكر الفراء، وأبو عبيدة، وأبو عبيد، أن تكون «ضحكت» بمعنى حاضت، وعرفه غيرهم.
والثالث: أنه الضحك المعروف، وهو قول الأكثرين.
قال القرطبي: وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب «ضحكت» بمعنى حاضت؛ وقال الجمهور‏:‏ هو الضحك المعروف.
قال الشيخ رشيد رضا: «فضحكت» قيل: تعجبا مما رأت وسمعت، وقيل: سرور بالأمن من الخوف أو بقرب عذاب قوم لوط لكراهتها لسيرتهم الخبيثة، وقيل: تعجبا من البشارة بالولد، وهذا يكون أولى إن كانت البشارة قبل الضحك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *