التبني بين الشرع والعاطفة الدكتور محمد أبوعام خطيب مسجد الخير -المحمدية-

التبني اتخاذ من ليس بابن شرعي ابنا لرجل أو امرأة، وكان التبني معمولا به في الجاهلية وصدر الإسلام، يتوارث به ويتناصر، وقد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فكان يدعى زيد بن محمد، قال ابن عمر رضي الله عنهما: “ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد ابن محمد حتى نزلت (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)” .
وقال الله تعالى مبطلا عمل الجاهلية: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) . وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) .
ومعنى الآية أن سبيل الله خير، وهديه أرشد وحكمه أعدل وأقسط، لأنه قوله الحق، وأما ادعاء الإبن من التبني فهو باطل وزور، وتغيير للأحكام والحقوق، وتترتب عليه مفاسد أخلاقية واجتماعية، لأنه يحشر بين المحارم غريبا ليس منهم.
وتحريم التبني، ليس معناه سد باب المعروف وقفل باب الإحسان، بمنع رعاية اليتيم واللقيط، وأطفال دور الرعاية الاجتماعية وتربيتهم والاعتناء بهم، أو تولي أبناء الشهداء وكفالتهم ورعايتهم، فإن رعاية هؤلاء جميعا من أفضل أبواب البر والخير، ولكن على شرط أن ينسب ذلك الولد إلى أبيه الحقيقي إن كان معروفا، فإن لم يكن أبوه معروفا، فيقال في نسبه فلان أخو فلان -الذي يربيه- كما قال تعالى: (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ). ويجوز أن ينسب إلى أمه إذا لم يكن له أب شرعي، فيقال فلان ابن فلانة .
ولا يجوز أن يسجل في كتيب العائلة (دفتر الحالة المدنية)، أو في الدوائر والأوراق على أنه ابن فلان الذي يرعاه ويربيه، لأن الله تعالى يقول: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ).
وإذا كان الولد ذكرا فإنه إذا بلغ الحلم، يجب أن تحتجب منه بنات الأسرة ونساؤها اللاتي تربى معهن، وأن يعددنه أجنبيا غير محرم لهن. وكذلك إذا كانت أنثى يجب أن تحتجب عند بلوغ المحيض عن رب الأسرة ورجال البيت الذي تربت فيه لأنهم جميعا أجانب عنها.
فقد ثبت في الصحيح أن سهلة بنت سهيل -امرأة أبي حذيفة الذي كان قد تبنى سالما في الجاهلية ورباه حتى كبر- جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قطع الله تعالى حكم التبني، وقالت: “إنا كنا نرى سالما ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلا ، وقد أنزل الله تعالى فيهم ما قد علمت، فكيف ترى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة” . وهذه الرخصة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة على الصحيح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *