طاعة ولي الأمر بين التعبد والنفعية أحمد اللويزة

لقد كان من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة وإلى هذا اليوم أن طاعة ولي الأمر واجبة في المنشط والمكره وفي العسر واليسر ما دامت في غير معصية، وصدروا بذلك كتبهم في العقائد وحذروا من الخروج على الحاكم ونفروا من شق عصا الطاعة وتفريق الجماعة وكان ذلك بدعة شنيعة تستحق الولاء والبراء والهجر من أجل الزجر.
تأكيد على الطاعة وتحذير من المنازعة
وكان ديدن السلف الدعاء للحاكم ولهذا كان الفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان” السياسة الشرعية؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد
وهذا الإمام أحمد المتهم عند القوم بالتطرف والإرهاب يحكي عنه أبو بكر المروذي قائلا: سمعت أبا عبد الله «وذكر له السنة والجماعة والسمع والطاعة، فحث على ذلك وأمر به» السنة للخلال، نعم يقول هذا رغم ما لقيه من بعض خلفاء بني العباس أيام المحنة.
ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله: “ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة” الطحاوية.
وهذا ابن تيمية المتهم بالتواطؤ مع ابن حنبل في تحريض الشباب على الانفجار يقرر وجوب الطاعة قائلا “بل لو عاقد الرجل غيره على بيعٍ أو إجارةٍ أو نكاحٍ، لم يجز له أن يغدر به، ولوجب عليه الوفاء بهذا العقد فكيف بمعاقدة ولاة الأمور على ما أمر الله به ورسوله من طاعتهم ومناصحتهم والامتناع من الخروج عليهم” (الفتاوى الكبرى)، هذا مع ما لقيه هذا الإمام العلم في محنته مع الحكام بسبب الوشاة هو كذلك.
طاعة مؤسسة على الوحي لا الهوى
لقد كان منطلق سلفنا في تقرير ما ذكر نصوص الكتاب والسنة ونكتفي في هذا المقام بالتذكير بآية وحديثين، يقول عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ”.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان” متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة” البخاري. وقوله عليه السلام من حديث طويل “فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر” رواه مسلم.
مزايدة باطلة ومكر مفضوح
فبعد الذي ذكر فلا يظن البعض أن طاعة ولاة الأمر نفاق أو خوف وإنما هو حق شرعي لهم حفاظا على السلم العام الذي هو من أعز ما يطلب، لاسيما في هذا الزمان، فالحاكم أولى من أحدنا بالحياة لأنه هو الضامن بعد الله لاستمرار الأمن والاستقرار ولنا في العراق وغيرها عبرة.
لكن البعض اتخذها مطية لتحقيق أهداف مادية وحصانة سياسية ويعتبر نفسه مخلصا للحاكم والحقيقة أنه مخلص لمصالحه، وفي نفس الوقت يريد إلصاق تهمة التحرش بولي الأمر وعدم احترام شرعيته بالآخرين حتى يظهر في مقام المدافع الأمين بعد أن كان مناوئا لها ليلا ونهارا، وماكرا بها سرا وجهارا.
فلا مجال لأن يزايد علينا أحد من العلمانيين أو الحداثيين الذين يظهرون الولاء ويبطنون العداء لإمارة المؤمنين التي يهيئون للإجهاز عليها بمهاجمة عرى الإسلام لتنفرط عقدة بعد أخرى حتى يصيروا معها وجها لوجه، لأنهم يريدون السلطان كقبة ولي يتبرك بها الجهلة ليس له من الأمر شيء إلا الرمزية متفرجا عليهم يعبثون بعقيدتنا. فطاعتنا عبادة نبتغي بها وجه الله، وطاعتهم تملق يبتغون بها عرض الدنيا وما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل وما كيدهم يخفى على لبيب.
هذه عقيدتنا السلفية، التي يحاربها بنو علمان ويخلطوها بعقيدة الخوارج الضالة المنحرفة لتشويه صورتها النقية، مع أنهم معًا شرّ الخلق والخليقة، ولن يستطيعوا أن يغطوا شمس الحق بغربال الباطل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *