المعاصرة توجب المنافرة في الجملة، والأقران المتعاصرون يقع بينهم من الحسد والغيرة ما يحول دون العدل والإنصاف في الغالب، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: “لا تقبلوا أقوال الفقهاء بعضهم على بعض، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس 1في الزريبة” .
2وقال مالك بن دينار: “يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض فلهم أشد تحاسداً من التيوس” .
وهذه القضية واضحة لكل منصف متجرد عن الهوى، والواقع يشهد لها، وكتب التراجم تحمل بين طياتها جملاً من هذا الضرب، ولهذا لم يعتد الأئمة بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض.
3قال الإمام الذهبي في ترجمة عفان الصفار: “كلام النظير والأقران ينبغي أن يتأمل ويتأنى فيه” .
ويقول أيضاً: “كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت 4من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا” .
ويقول الحافظ ابن حجر: “إن كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضاً إذا كان غير مفسر” ، وهذه القاعدة من قواعد العدل والإنصاف التي امتثلها علماؤنا في النواحي التطبيقية تنبيهاً لمن يأتي بعدهم.
قال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن إسحاق المعروف بابن منده الأصبهاني: “أقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة، ونال منه واتهمه فلم يلتفت إليه لما بينهما من العظائم نسأل الله العفو، فلقد نال ابن منده من أبي نعيم 6وأسرف أيضاً” .
7وقال في ترجمة أبي الزناد عبد الله بن ذكوان: “لا يسمع قول ربيعة فيه، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة” .
قال السبكي رحمه الله: “…وإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة والثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وهلم جرا إلى زمن العز بن عبد السلام والتقي ابن الصلاح، فإنك إن شغلت بذلك خفتُ عليك الهلاك، فإن القوم أئمة أعلام ولكل منهم محامل، وربما لم نفهم بعضها، فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم” 8. (فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف، د. عبد الرحمن بن أحمد علوش المدخلي).
—————-
1- جامع بيان العلم وفضله ، [ج2 ص193].
2- المصدر السابق ، [ج2 ، ص192].
3- ميزان الاعتدال ، [ج3 ، ص81].
4- المصدر السابق ، [ج1 ، ص111].
5- تهذيب التهذيب ، [ج8 ص81].
6- ميزان الاعتدال ، [ج3 ص479].
7- المصدر السابق ، [ج2 ص418].
8- الرفع والتكميل ، [ص429].