الملك المليك المالك جل في علاه الحلقة الحادية عشرة ناصر عبد الغفور

الأمور التي يرجع إليها المُلك:
الأول: ثبوت صفات الملك له سبحانه، وهي صفاته العظيمة من: كمال القوة، والعزة والقدرة، والعلم المحيط، والحكمة الواسعة، ونفوذ المشيئة، وكمال التصرف، وكمال الرأفة والرحمة، والحكم العام للعالم العلوي والسفلي، والحكم العام في الدنيا والآخرة..
الثاني: أن جميع الخلق مماليكه وعبيده ومفتقرون إليه ومضطرون إليه في جميع شؤونهم، ليس لأحد خروج عن ملكه، ولا لمخلوق غنى عن إيجاده وإمداده منه وعطائه.
الثالث: أن له التدبيرات النافذة والأحكام الجارية التي لا رادّ ولا معقب لها قدرا وشرعا وجزاء:
فله جل وعلا الأحكام القدرية؛ حيث جرت كل الأقدار على مقتضى قضائه وقدره.
و له الأحكام الشرعية؛ حيث أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه، وأمر خلقه بعبادته وطاعة رسله.
و له الأحكام الجزائية؛ وهي الجزاء على الأعمال خيرها وشرها وإثابة الطائعين ومعاقبة العاصين، وكل ذلك تابع لعدله وحكمته سبحانه .
يقول ابن القيم رحمه الله: “ومعنى الملك الحقيقي ثابت له سبحانه بكل وجه وهذه الصفة تستلزم سائر صفات الكمال. إذ من المحال ثبوت الملك الحقيقي التام لمن ليس له حياة ولا قدرة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا فعل اختياري يقوم به، وكيف يوصف بالملك من لا يأمر ولا ينهى ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعطي ولا يمنع ولا يعز ولا يذل ويهين ويكرم وينعم وينتقم ويخفض ويرفع ويرسل الرسل إلى أقطار مملكته ويتقدم إلى عبيده بأوامره ونواهيه، فأي ملك في الحقيقة لمن عدم ذلك” .
مـسـألـة:
من المسائل التي ذكرها العلماء: أيهما أبلغ الملك أو المالك؟
وقد اختلفوا في هذه المسألة على أقوال، فمنهم من يرجح الملك على المالك، ومنهم من يقول أن المالك أبلغ، ومنهم من يجعل الأمر مقيدا، والسبب في هذا الاختلاف، والعلم عند الله، اختلاف هذين الاسمين من حيث أصل الاشتقاق وكذا من حيث معنى كل اسم، و هذه بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
– يقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام: “..والملك أبلغ لنفوذ أمره على المالك، ولأن كل ملك مالك ولا عكس ، أو المالك أبلغ لأنه لا يكون إلا على ما يملكه، والملك يكون على من لا يملكه كملك الروم والعرب..، أو المالك أبلغ في حق الله تعالى من ملك، وملك أبلغ في حق الخلق من مالك، إذ المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك بخلاف الربِّ سبحانه وتعالى ” .
– قال أبو عبيدة: “مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب، ولا يقال ملك هذه الأشياء ولأنه لا يكون مالك شيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه” .
– وبعد أن ذكر تأويل القراءتين الثابتتين في سورة الفاتحة وهما قوله تعالى: “ملك يوم الدين”، و”مالك يوم الدين”، قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: “وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة “مٓلِك” بمعنى المُلك، لأن في الإقرار له بالإنفراد بالمُلك إيجابا لانفراده بالمِلك..” .
لكن بما أن كلتا القراءتين ثبتتا عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإن العمل بهما أولى من العمل بأحدهما أو ترجيح أحدهما على الآخر، فالله جل في علاه ملك ومالك، فثبتت له صفات المُلك والمِلك وما يدل عليه هذان الاسمان من المعاني وما يستلزم منهما من اللوازم.
يقول الشيخ ابن عثيميين رحمه الله: “وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي..”.
ومن قواعد التفسير: “أنه إذا ثبتت القراءتان لم ترجح إحداهما -في التوجيه- ترجيحا يكاد يسقط الأخرى..” .
قال الزركشي رحمه الله: “إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى، وهذا غير مرضي، لأن كلتيهما متواترة..”، ..وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله: “قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة “ملك” و”مالك” حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، واتصاف الربِّ تعالى بهما..” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *