مهلا سعاة الفتنة… دعاة بدعة الجرح والتجريح ذ: حسان بوقدون

أكتب هذه الكلمات وأنا في غاية من الإشفاق على حال هؤلاء المساكين الذين أكتب عنهم، شرذمة من الناس في مسلاخ من المنتسبين إلى السنة؛ متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية -ظلما وعدوانا- فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة إلى الله بالتهم الفاجرة المبنية على الحجج الواهية، واشتغلوا ببدعة التصنيف والتجريح والتنقيص والإقصاء لأهل الفضل والخير، فلم يسلم من كلامهم البذيء الفاحش كل صالح وطالح؛ وكل بر وفاجر؛ إعمالا لقواعد علم الجرح والتعديل كما يزعمون، وإحياء لهذا العلم فإنه ديانة كما يتوهمون، فنالوا بذلك وسام: “الفتانين المفتنين الضالين المضلين”.
وقد ركب هؤلاء المبتدعة على متن عمياء، وخبطوا كخبط العشواء، فتراهم في بحث التعديل والجرح من أصحاب القرح، فهم كالحبارى في الصحارى، والسكارى في السحارى، وما ذلك إلا لجهلهم بأبجديات مسائل الجرح والتعديل .
فئام من الناس (إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة) ؛ فئام غلاظ يعبدون الله على حرف، فألقوا جلباب الحياء، وشغلوا به أغرارا التبس عليهم الأمر فضلوا وأضلوا، فلبس الجميع أثواب الجرح والتعديل، وتدثروا بشهوة التجريح، ونسج الأحاديث، والتعلق بخيوط الأوهام، فبهذه الوسائل ركبوا ثبج التصنيف للآخرين؛ للتشهير والتنفير والصد عن سواء السبيل .
فإن يخلق لي الأعداء عيبا فقول العائبين هو المعيب
من هذا المنطلق الواهي غمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام، ثم بسطوها بإصدار الأحكام على أهل الفضل والخير والتشكيك فيهم وخدشهم وإلصاق التهم بهم وطمس محاسنهم والتشهير بهم وتوزيعهم أشتاتا وعزين ، فتراهم يتبعون عثرات الفضلاء؛ ويتصيدون زلاتهم؛ بل يكذبون عليهم وينسبون إليهم ما لم يقولوا تلفيقا وبترا لمقاطع كلامهم ومعاني كتاباتهم، فترى لهم شقشقة كشقشقة الأرحبي لا فصاحة وخطابة، ولكن فريا لأعراض المسلمين ونهشا للحومهم أمواتا غير أحياء.
يا لك من قبرة بمعمـــــــر خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري قد ذهب الصياد عنك فابشري
لا بد من أخذك يوما فاحذري
قال ابن القيم رحمه الله في مثل هذا الصنف: ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة؛ وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا، ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول .
فهؤلاء الشرذمة لما يئس إبليس -نعوذ بالله من شره- أن يجرهم إلى مستنقع الشهوات أطلق عليهم الحبل فأوردهم في مستنقع الشبهات فظنوا بذلك أنهم قد تخلصوا منه، فهم في هذا المستنقع مع الشيطان يؤزهم فيه أزا، فالتبست عليهم الأمور حتى ضلوا من توما الحكيم .
وإني أحذر القوم إشفاقا عليهم أن تصيبهم دعوة ولي من أولياء الله فيندموا ولات حين مندم، فإنهم في نزال مع الله قد أعلن عليهم حربه بقوله: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب” .
فكم أورثت هذه التهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر، ودمعة في العين، وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل، لهجا بكشفها مادّاً يديه إلى مغيث المظلومين، كاسر الظالمين، والظالم يغط في نومه، وسهام المظلوم تتقاذفه من كل جانب، عسى أن تصيب منه مقتلا .
هذا في الدنيا أما الآخرة فيا ويحهم يوم تبلى السرائر، (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ، يوم يكون خصومهم الدعاة إلى الله والدلال إليه.
من هذا الباب أصبحت نصيحة هؤلاء الأغمار وحدثاء الأسنان وتحذيرهم من سوء عاقبة بدعتهم أمرا متعينا على كل مسلم، وصار من الواجب عليه الذب عن حرمات أهل العلم والفضل والخير حتى ينجلي ما ألصقه (المنشقون) بهم من الثرثرة، وتكتم صدى صياحهم في وجه الحق وإيضاح السبيل الآمن الرشد، العدل الوسط، كما قال الشيخ بكر رحمة الله عليه، وبالمناسبة فإني أحيل القارئ الكريم على رسالته: “تصنيف الناس” فإن فيها أصولا ومباحث نفيسة لوأد هذه اللقيطة وقطع دابر الذين يروجون لها ودحض شبهاتهم، وهذا ورب الكعبة هو العلم وليس جعجعة وشنشنة من كل أخزم أخرق.
هذا وفي الأخير أشير إلى أنه سيكون لنا كلام آخر إن شاء الله مستقبلا مع القوم في محورين: الأول؛ في الأسباب التي دفعتهم إلى هذه البدعة، والثاني؛ في أصول الرد على هذه البدعة ودحض شبهاتهم، مع أني والله أرى أنهم لا يستحقون أن يضيع معهم المسلم العاقل الكيس ولو دقيقة من عمره.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *