آية وتفسير “كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ” كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته

قال الله تعالى في سورة المطففين: “كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ، كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ”…

كلا هي للردع، والزجر أو حرف ردع وزجر كما قال سيبويه، وتأتي بمعنى (حقًا) وخاصة إذا كانت في بداية الكلام لتأكيد ما بعدها.
ورَانَ يَرِين: غلب عليه، والمعنى: أن الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأوّلين هو غلبت عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها، حتى صار ذلك صَدَأً ودَنَسًا على قلوبهم فعَمَّى عليهم معرفة الحقِّ من الباطل.
ثم كرّر سبحانه وتعالى الردع، والزجر فقال: “كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ”..
قال مقاتل: يعني: أنهم بعد العرض والحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم.
قال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته.
قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنّ الله عز وجل يُرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة.
وقال جلّ ثناؤه: ” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ” (القيامة)، فأعلم جلّ ثناؤه أن المؤمنين ينظرون، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه.
وقال ابن عطية في تفسيره: “والضمير في قوله: “إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ” هو للكفار، قال بالرؤية وهو قول أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص، وقال الشافعي: لما حجب قوم بالسخط دلَّ على أن قوماً يرونه بالرضى”.
وقال ابن عاشور: “جملة: “إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون” وما عطف عليها ابتدائية وقد اشتملت الجملة ومعطوفاها على أنواع ثلاثة من الويل وهي الإهانة، والعذاب، والتقريع مع التأييس من الخلاص من العذاب.
فأما الإهانة فحجْبُهم عن ربهم، والحجب هو الستر، ويستعمل في المنع من الحضور لدى الملك ولدى سيد القوم.
وكلا المعنيين مراد هنا لأن المكذبين بيوم الدين لا يرون الله يوم القيامة حين يراه أهل الإيمان.
ويوضح هذا المعنى قوله في حكاية أحوال الأبرار: “عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ”.
ومن هذا يتضح أن معنى “محجوبون” ممنوعون عن رؤيته سبحانه وتعالى، وذلك لما يلي:
1- إثبات الحجب عن الله للكفار تنفي الحجب عن المؤمنين.. والمؤمن بطبيعة الحال غير محجوب عن الله بمعنى رحمته وهذا يؤكد أن القصد هو إثبات رؤية الله.
2- بما أن الحجب إهانة للكافر، فنفيه عن المؤمن تشريف له، وهذا التشريف في الفردوس هو شرف رؤية الله سبحانه وتعالى.
3- ومن قول الزمخشري: “لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم”، فإن معنى الورود أي الإتيان وهذا لا يتأتى إلا برؤية بعضهم البعض.. أي أن المؤمن يرى الله كما أن الله عز وجل يرى المؤمن. والله اعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *