التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (27) توحيد الأسماء والصفات محاذير في توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة والجماعة نور الدين درواش

1- التحريف(1 )
تقدم في الحلقة السابقة أن توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة والجماعة يقوم على إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وتقدم إجمالا بيان معاني كل من التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل، وفي هذه الحلقة نخص بالتفصيل التحريف:
1- تعريف التحريف:
التحريف لغة: التغير والتبديل والإمالة. وتحريف الكلام: العدول به عن جهته.
وفي الاصطلاح: هو تغيير النص لفظا أو معنى.
وعرفه بعضهم بأنه: الميل بالنصوص عما هي عليه، إما بالطعن فيها، أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها.
أو هو العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غير.
والتحريف في باب الأسماء والصفات: هو تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن مراد الله بها.
2 – أنواع التحريف:
التحريف نوعان:
النوع الأول: تحريف اللفظ:
وتعريفه: هو العدول باللفظ عن جهته إلى غيرها.
ومن أمثلته:
• المثال الأول: تحريف إعراب قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] بنصب الجلالة، لتصبح: {وَكَلَّمَ اللَّهَ} أي أن الكلام من موسى لله لا من الله لموسى، وقصدُ المعطلة من هذا نفي صفة الكلام عن الله سبحانه وتعالى.
ويروى أن أحد المعطلة الجهمية طلب من أبي عمرو بن العلاء، وهو أحد القراء العشرة أن يقرأ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} بنصب لفظ الجلالة فقال له: هبني فعلتُ ذلك، فكيف تصنع بقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] فبهت هذا الجهمي.

• المثال الثاني: إن بعض المعطلة سأل بعض أئمة العربية: هل يمكن أن يقرأ العرش بالرفع في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقصد بهذا التحريف أن يكون الاستواء صفة للعرش مخلوق لا للرحمن الخالق سبحانه وتعالى.
النوع الثاني: تحريف المعنى:
وتعريفه: هو إبقاء اللفظ كما كان مع صرف معناه عن المراد به.
وقد يقال: هو العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته، وإعطاء اللفظ معنى لفظ آخر بقدر ما مشترك بينهما.
وهذا النوع هو الذي جال فيه أهل الكلام من المعطلة وصالوا وتوسعوا وسموه تأويلاً، وهو اصطلاح فاسد حادث لم يعهد به استعمال في اللغة.
ومن أمثلة تحريف المعنى:
المثال الأول: قول المعطلة في معنى استوى: استولى في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5].
المثال الثاني: وقولهم في معنى اليد في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة64] النعمة والقدرة.
المثال الثالث: وقولهم في معنى المجيء في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ}[الفجر:22] وجاء أمر ربك.
وقد ذكر الله التحريف وذمه حيث ذكره، وهو مأخوذ في الأصل عن اليهود، فهم الراسخون فيه، وهم شيوخ المحرفين وسلفهم، فإنهم حرفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه، ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم.
وقد درج على آثارهم الرافضة، فهم أشبه بهم من القذة بالقذة، وكذلك الجهمية، فإنهم سلكوا في تحريف النصوص مسالك إخوانهم في اليهود.
وأصحاب تحريف الألفاظ شر من أصحاب تحريف المعنى من وجه.
وأصحاب تحريف المعنى شر من أصحاب تحريف اللفظ من وجه.
فأصحاب تحريف اللفظ عدلوا باللفظ والمعنى جميعًا عما هما عليه فأفسدوا اللفظ والمعنى، بينما أصحاب تحريف المعنى أفسدوا المعنى وتركوا اللفظ على حاله فكانوا خيرًا من أولئك من هذا الوجه.
فأصحاب تحريف اللفظ لما أرادوا المعنى الباطل حرفوا له لفظًا يصلح له لئلا يتنافر اللفظ والمعنى، بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ المحرف فهم منه المعنى المحرف، فإنهم رأوا أن العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته مع بقاء اللفظ على حاله مما لا سبيل إليه، فبدأوا بتحريف اللفظ ليستقيم لهم حكمهم على المعنى الذي قصدوا.
وأما كون أصحاب تحريف المعنى شرا من أصحاب تحريف اللفظ من وجه، فلأن تحريف المعنى هو الأكثر استعمالا عند أصحاب التحريف، ولأنه أسهل رواجا وسوقًا عند الجهلة والعوام من الناس، فيفتتن به من ليس لديه زاد من العلم الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
—————————-
(1 ) – أنظر “معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات” للتميمي ص:59-62. و”نواقض توحيد الأسماء وةالصفات” للقفاري ص:27-31. و”رسائل في العقيدة” للحمد ص:232.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *