شرح الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع الشيخ محمد برعيش الصفريوي

عدم اشتراط السند والإجازة في الشيخ للتصدي للإقراء

قال السيوطي: “الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للإقراء والإفادة، فمن علم في نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد، وعلى ذلك السلف الأولون والصدر الصالح، وكذلك في كل علم في الإقراء والإفتاء خلافا لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونها شرطا، وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالبا من يريد الأخذ عنه من المبتدئين ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك، والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت الإجازة كالشهادة من الشيخ للمجاز بالأهلية”هـ. الإتقان 1/140.
فمتى تمكن الطالب من فنه وأتقنه جاز له تلقينه ولا ينتظر الإجازة والإذن بذلك؛ لكن إذا كان مع الأهلية تزكية فهذا أمر محمود يقوي الوثوق بالشيخ.
طرق تلقي القراءة
قال الشيخ السيد أحمد في كتابه (أسانيد القراء العشرة ورواتهم البررة) ص:7: “طريق العرض والتلاوة ويشمل الآتي:
1. السماع من الشيخ ثم العرض عليه ويدخل ضمنه التلقين والترديد.
2. العرض على الشيخ مباشرة دون سماع منه.
3. الإذن من الشيخ للطالب بعد عرضه على الشيخ لبعض القرآن.
ويكون هذا في الغالب بين أهل التخصص بأن يعلم الشيخ أن المجاز عالم متقن لما يجاز فيه ويريد بهذا علو السند أو تقويته أو تعدد الطرق”. اهـ

طرق أداء القراءة إفرادا وجمعا
وقد عقد ابن الجزري لذلك فصلا في النشر 2/222 قائلا:
باب بيان إفراد القراءات وجمعها.
لم يتعرض أحد من أئمة القراءة في تواليفهم لهذا الباب. وقد أشار إليه أبو القاسم الصفراوي في إعلانه؛ ولم يأت بطائل؛ وهو باب عظيم الفائدة كثير النفع جليل الخطر؛ بل هو ثمرة ما تقدم في أبواب هذا الكتاب من الأصول ونتيجة تلك المقدمات والفصول؛ والسبب الموجب لعدم تعرض المتقدمين إليه هو عظم هممهم وكثرة حرصهم ومبالغتهم في الإكثار من هذا العلم واستيعاب رواياته وقد كانوا في الحرص والطلب بحيث أنهم يقرأون بالرواية الواحدة على الشيخ الواحدة عدة ختمات لا ينتقلون إلى غيرها ولقد قرأ الأستاذ أبو الحسن على بن عبد الغني الحصري القيرواني القراءات السبع على شيخه أبي بكر القصري تسعين ختمة؛ كلما ختم ختمة قرأ غيرها حتى أكمل ذلك في مدة عشر سنين حسبما أشار إليه بقوله في قصيدته:
وأذكر أشياخي الذين قرأتـها عليهم فأبدأ بالإمام أبي بـــكر
قرأت عليه السبع تسعين ختمة بدأت ابن عشر ثم أكملت في عشر
وكان أبو حفص الكتاني من أصحاب ابن مجاهد وممن لازمه كثيراً وعرف به وقرأ عليه سنين لا يتجاوز قراءة عاصم. قال وسألته أن ينتقل عن قراءة عاصم إلى غيرها فأبى علي، وقرأ أبو الفتح فرج بن عمر الواسطى أحد شيوخ ابن سوار القرآن برواية أبي بكر من طريق يحيى العليمي عن أبي الحسن علي بن منصور المعروف بابن الشعير الواسطي عدة ختمات في مدة سنين؛ وكانوا يقرأون على الشيخ الواحدة العدة من الروايات والكثير من القراءات كل ختمة برواية لا يجمعون رواية إلى غيرها وهذا الذي كان عليه الصدر الأول ومن بعدهم إلى أثناء المائة الخامسة عصر الداني وابن شيطا الأهوازي والهذلي ومن بعدهم؛ فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة؛ واستمر إلى زماننا.
وكان بعض الأئمة يكره ذلك من حيث إنه لم تكن عادة السلف عليه ولكن الذي استقر عليه العمل هو الأخذ به والتقرير عليه وتلقيه بالقبول. وإنما دعاهم إلى ذلك فتور الهمم وقصد سرعة الترقي والانفراد ولم يكن أحد من الشيوخ يسمح به إلا لمن أفرد القراءات وأتقن معرفة الطرق والروايات وقرأ لكل قارئ ختمة على حدة ولم يسمح أحد بقراءة قارئ من الأئمة السبعة أو العشرة في ختمة واحدة فيما أحسب إلا في هذه الأعصار المتأخرة؛ حتى إن الكمال الضرير صهر الشاطبي لما أراد القراءة على الشاطبي لم يقرأ عليه قراءة واحدة من السبعة إلا في ثلاث ختمات؛ فكان إذا أراد قراءة ابن كثير مثلاً يقرأ أولاً برواية البزي ختمة، ثم ختمة برواية قنبل، ثم يجمع البزي وقنبل في ختمة هكذا؛ حتى أكمل القراءات السبع في تسع عشرة ختمة، ولم يبق عليه إلا رواية أبي الحارث وجمعه مع الدوري في ختمة.
قال فأردت أن أقرأ برواية أبي الحارث فأمرني بالجمع فلما انتهيت إلى (سورة الأحقاف) توفي رحمه الله.
وهذا هو الذي استقر عليه العمل إلى زمن شيوخنا الذين أدركناهم فلم أعلم أحداً قرأ على التقي الصائغ الجمع إلا بعد أن يفرد السبعة في إحدى وعشرين ختمة ولعشرة كذلك. وقرأ شيخنا أبو بكر بن الجندي على الصائغ المذكور والمفردات عشرين ختمة؛ وكذلك شيخنا الشيخ شمس الدين بن الصائغ؛ وكذلك شيخنا الشيخ تقي الدين البغدادي؛ وكذلك سائر من أدركناهم من أصحابه. وقرأ شيخنا عبد الوهاب القروي الإسكندري على شيخه الشهاب أحمد بن محمد القوصي بمضمن الإعلان في السبع أربعين ختمة. وكان الذين يتساهلون في الأخذ يسمحون أن يقرأ لكل قارئ من السبعة بختمة؛ سوى نافع وحمزة فإنهم كانوا يأخذون ختمة لقالون؛ ثم ختمة لورش؛ ثم ختمة لخلف؛ ثم ختمة لخلاد؛ ولا يسمح أحد بالجمع إلا بعد ذلك.
ولما طلبت القراءات أفردتها على الشيوخ الموجودين بدمشق؛ وكنت قرأت ختمتين كاملتين على الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار ختمة بقراءة أبي عمرو من روايتيه؛ وختمة بقراءة حمزة من روايتيه أيضاً؛ ثم استأذنته في الجمع فلم يأذن لي وقال لم تفرد علي جميع القراءات ولم يسمح بأكثر من أن أذن لي في جمع قراءة نافع وابن كثير فقط.
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد وقد بقي فيها بقية فترقبوها في العدد القادم إن شاء الله تعالى وقوته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *