..التوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام، وأخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب.
لقد أكرم الله تعالى الإنسان وأعظم عليه المنَّة، عندما بعث إليه الرسل، وأنزل معهم الكتب والشرائع، التي تتفق مع فطرة هذا الإنسان التي فطره الله تعالى عليها، من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، الخالق المعبود، الذي لا يستحق العبادة أحد سواه.
ثم أكرم الله تعالى الإنسان مرة أخرى، عندما ختم الرسالات السماوية برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفّل بحفظها وحفظ كتابها، حيث قال سبحانه وتعالى: “إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9).
وبذلك كانت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الوحيدة التي بقيت على أصولها المنزلة، محفوظة بحفظ الله تعالى من أي تغيير أو تحريف أو تبديل، وبذلك تم الحفاظ على دعوة التوحيد نقية صافية، كما جاء بها جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، إلى أن ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاؤوا جميعهم بدعوة الإسلام وكلمة التوحيد.
والتوحيد هو قاعدة كل شريعة جاء بها رسولٌ من عند الله تعالى، وقد بين الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة وأكدها في قصة كل رسول، قال الله تعالى: “ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ” (المؤمنون: 23)، “وإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ” (الأعراف: 65). “وإلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ” (الأعراف: 73).
وهي الكلمة نفسها التي تكررت على لسان شعيب وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، حتى أصبحت قاعدة عامة، قررها الله سبحانه وتعالى فقال: “ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبدُونِ” (الأنبياء: 25)، “ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (النحل:36).
فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو أول ما يدخل به المرء في الإسلام، وأخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول واجب وآخر واجب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن: “إنك تأتى قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله وحده، وفي رواية: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل، افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” (أخرجه الشيخان)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل” (رواه الشيخان).
وفي هذا الحديث تفسير لقول الله تعالى: “فَإن تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ” (التوبة: 5)، والتخلية في هذه الآية الكريمة والعصمة في الحديث الشريف، الذي جاء قبلها كلاهما بمعنى واحد.
فكل الرسل، عليهم الصلاة والسلام قد أدركوا حقيقة التوحيد وكلهم بعثوا بها، وكلّهم دعا إلى عبادة الله الواحد، دعا إلى الحقيقة التي تلقاها وأُمر بها كما أُمر أن يبلغها، وقد نهضوا جميعا عليهم الصلاة والسلام بذلك لإيمانهم المطلق بكونها الحقيقة الصادرة إليهم من الله تعالى وحده، ومن ثم كان هناك مصدر واحد لا يتعدد، يتلقى منه البشر التصور الصادق الكامل الشامل لحقيقة الوجود كله، هذا المصدر هو الذي أنزل على خاتم رسل الله تعالى: محمد صلى الله عليه وسلم، هذا الكتاب هو القرآن الكريم، أنزله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
إن التوحيد المطلق لله سبحانه وتعالى، يقتضي توحيد دينه الذي أرسل به الرسل عليهم الصلاة والسلام للبشر جميعاً، وتوحيد رسله الذين حملوا هذه الأمانة والرسالة للناس، ولذلك وصف الله تعالى من يريدون التفرقة بين الله ورسله -بأن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض- بأنهم “هُمُ الكَافِرُونَ حَقاً” قال الله تعالى: “إنَّ الَذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ويُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ ورُسُلِهِ ويَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقاً وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً” (النساء).