من آثار الإيمان باسمي الرحمن الرحيم ناصر عبد الغفور

من أعظم آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين إثبات صفة الرحمة لله جل وعلا: فمن عقيدة أهل الحق الإيمان بالاسم وما دل عليه من الصفات، فأسماءه سبحانه ليست أعلاما مجردة بل هي بدلالتها على ذاته تعالى أعلام وبدلالتها على ما تضمنته من المعاني أوصاف.

وهذا خلاف ما يعتقده أهل البدع كالمعتزلة الذين يسلبون عن أسمائه سبحانه ما دلت عليه من المعاني والصفات، فيقولون: عليم بلا علم، رحيم بلا رحمة..
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنفتها العلمية المختصة بخلاف أوصافه تعالى” .
فقد يسمى الإنسان عبد الله وهو من أكفر الناس وجواد وهو من أبخل الناس..
يقول الدارمي رحمه الله تعالى: “لا تقاس أسماء الله بأسماء الخلق لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم، بل مخالفة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالف لصفاته ولا شيء من صفاته مخالفا لأسمائه..” .
فاسم الرحمن واسم الرحيم دالان على صفة الرحمة التي نثبتها لله تعالى على ما يليق به دون تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ”، وهذا سبيل أهل الهدى في كل أسماء الله وصفاته، وأما أهل الزيغ والهوى فقد أبوا إلا تعطيل هذه الصفة، قالوا هي رقة في قلب الراحم اتجاه المرحوم، والله تعالى يتنزه عن ذلك، فمنهم من عطلها تعطيلا كالمعتزلة ومنهم من تأولها تأويلا كالأشاعرة.
يقول الزمخشري في كشافه: “فإن قلت: ما معنى وصف الله تعالى بالرحمة ومعناها العطف والحنو ومنها الرحم لانعطافها على ما فيها؟ قلت: هو مجاز على إنعامه على عباده لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه” الكشاف.
وهكذا حالهم فإنهم ركبوا صنم المجاز وطاغوته في التعامل مع كل صفات البارئ سبحانه.
يقول الشيخ المغراوي حفظه الله تعالى: “لقد اتخذ المؤولة المجاز زادا وعمدة في تأويل الصفات وتعطيلها وكأن المتقدمين من السلف الصالح جهلوه وعثر عليه المتأخرون فكان كنزا من كنوزهم المكتشفة فصار عملة صعبة عندهم.. والذي ندين الله به ويلزم قبوله كل منصف محقق أنه لا يجوز إطلاق المجاز في القرآن مطلقا..” .
وقد ردّ ابن القيم على من ادّعى أن رحمة الله مجاز ردا مفحما في صواعقه المرسلة -بعشرين وجها- من ذلك:
– أن من أعظم الإلحاد في أسماءه إنكار حقائقها ومعانيها والتصريح بأنها مجازات.
– أنه كيف يكون أظهر الأسماء -أي الرحمن- التي افتتح الله بها كتابه في أم القرآن وهي من أظهر شعار التوحيد، والكلمة الجارية على ألسنة أهل الإسلام وهي “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” التي هي مفتاح الطهور والصلاة وجميع الأفعال، كيف يكون مجازا؟ هذا من أشنع الأقوال.
– قولهم: “الرحمة رقة القلب”، تريدون رحمة المخلوق أو رحمة الخالق أم كل ما سمي رحمة شاهدا أو غائبا، فإن قلتم بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئا وإن قلتم بالثاني والثالث كنتم قائلين غير الحق، فإن الرحمة صفة الرحيم وهي في كل موصوف بحسبه.. فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق لمخلوق وهذا يطرد في سائر الصفات.
– إن من أعظم المحال أن تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازا ورحمة العبد الضعيفة القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة.
– أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم عليها صادقا بارا: “لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها” ، وفي هذا إثبات كمال الرحمة وأنها حقيقة لا مجازا . انتهى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *