الأسباب العامة للفساد الخلقي والسلوكي

لما دخلت الانحرافات السلوكية المجتمعات الإسلامية وانتشرت المساوئ الأخلاقية دبَّ إليها الوهن والضعف، حيث انتشر التبرج والربا وشرب الخمور والمسكرات وغيرها من المنكرات والمفسدات، فوهنت الأمة وتكالبت عليها الأمم وجثا على أراضيها العدو المستخرِب وتمزقت علاقاتها بسبب انحرافها عن دين ربها القويم.

وليعلم أن لكل انحراف سلوكي أسبابه الخاصة به، ولكن هناك عوامل عامة تشارك في وجود كل رذيلة خلقية، وتكون سببا لها، وتأثيرها فعال وجِماعها:
أولا: ضعف التنشئة التربوية
تعتبر التنشئة التربوية ثمرة لكل سلوك فاضل محمود، كما أن التنشئة الفاسدة أسُّ لكل رذيلة خلقية، “فلا يستقيم الظل والعود أعوج”، بل إن التنشئة الفاسدة تؤثر في جذور عقيدة الإنسان وتجتثه من فطرته كما أوضح ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” متفق عليه.
والجوانب التي يكون منها ضعف التنشئة التربوية والتي تمس بناء أخلاق الفرد والمجتمع كثيرة جدا أهمها ضعف الجانب العلمي، وضعف الجانب العقدي والتعبدي، وضعف الجانب الخلقي، وكذا ضعف جوانب العقوبة، بحيث للعقوبة بميزانها الشرعي أثر فعال في صد العدوان والجريمة والظلم.
ثانيا: القدوة السيئة
تؤثر القدوة السيئة في الآخرين تأثيرا فاعلا، لأنها تجسد التطبيق العملي للانحراف أمام الآخرين وتوضح ذلك بالأسلوب والمنهج والإغراء، مما يدفع بمن ضعفت بصيرته نحو السلوك المنحرف.
وقد بين عليه الصلاة والسلام خطورتها وخطورة فاعلها وتحمله لأوزار من يتأسون ويتأثرون به، فقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: “من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء”.
والقدوة السيئة تتمثل في الكلمة السيئة والفعل الخبيث سواء كان مباشرة أو من خلال الصورة أو الكتاب أو المجلة أو الصحيفة أو أي وسيلة تستغل للتأثير على الآخرين ونشر الفساد بينهم.
فالقدوة السيئة -إذن- تجسد الانحرافات السلوكية عمليا، لاسيما إذا كان المتمثل بالقدوة شخصية محببة لنفسية الفرد ويجد ميلا إليها كالأب والمعلم والصديق..
ثالثا: التأثر بالتيارات الفكرية
تعتبر التيارات الفكرية القادمة للمجتمع الإسلامي من أعدائه أشد فتكا وشراسة على الأخلاق والسلوك لما تحمله عبر الكلمة البراقة، والشاشة الملونة والبث المباشر السريع من فتن فكرية كقطع الليل مظلمة، حيث تغرس الشك بدل اليقين، وتثير الفتن بما يفسد الأخلاق وينحدر بها إلى الهاوية، فنتج عن ذلك انحرافات عقدية، وتنمت روح الإعجاب والانبهار بحضارة الغرب والتأثر بتقاليده وعاداته السيئة، وكذا التعود على عدم الاكتراث بالدين، وعدم الالتفات بآدابه وأوامره، مع تجنيد الشباب خاصة ليكونوا من دعاة التغريب والعلمنة بين إخوانهم المسلمين إلى غير ذلك مما يندى له الجبين.
رابعا: ضعف التناصح الاجتماعي
إن التناصح الاجتماعي من خلال التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أساس صحة المجتمع وسلامته، يقول تعالى: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
فإذا ضعف التناصح الاجتماعي وجد المنحرف المجال مفتوحا أمامه للإفساد، لا ينهاه أحد عن انحرافه ولا ينتقده ناقد، ومن ثم يمتد طغيانه واعوجاجه، فلا يجد الفرد آنذاك غضاضة من اتباع الهوى.
والله جل وعلا حذرنا من ذلك وبيّن لنا ما لحق بني إسرائيل نتيجة تواطئهم مع المنحرفين فقال سبحانه: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ”.
خامسا: الرفقة السيئة
للرفقة السيئة تأثير مباشر على الرفيق في سلوكه القولي والفعلي والاعتقادي فإن الصاحب ساحب، والطبع لص يسرق من الطباع الأخرى، وقد نبه المنهج الإسلامي إلى ذلك في آيات وأحاديث.
قال تعالى: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً”.
وفي الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: “مثل الجليس الصالح وجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فأما حامل المسك فإما أن يحذيك أو تبتاع منه أو تجد منه ريحا طيبة، وأما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة”.
فالرفقة السيئة عن الحق تصد، وبالباطل تأمر، وبحلاوة الكلام تزين القبائح، وعن المعروف تنهى، محبة للشر والفساد، مبغضة للخير والصلاح.
فهي إذن تأثر على معتقد الفرد وعلى أدائه للشعائر التعبدية، كما أنها تؤثر في سلوكه وأخلاقه كما قال ابن القيم رحمه الله: “توجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يتبقى منه لله والدار الآخرة” المدارج 1/489.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *