مشروعية المسح على الجورب إذا لبس على طهارة وإن كان مخرقا “..وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة؟”

من الأحكام الشرعية الفقهية التي تخص الطهارة المسح على الخفين(1) وهو أمر مشروع تواترت فيه الأحاديث وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وأهل العلم رحمهم الله.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “لقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر” الفتح 1/306.
وقال الإمام النووي رحمه الله: “وقد نقل ابن المنذر في كتاب الإجماع إجماع العلماء على جواز المسح على الخف ويدل عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة في مسح النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر وأمره بذلك وترخيصه فيه واتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه” المجموع شرح المهذب 1/476-477.
وأما المسح على الجوربين فهما بمنزلة المسح على الخفين إذا لبسا على طهارة ووضوء كما دلَّ على ذلك الأحاديث والآثار والقياس الصحيح.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين” صحيح سنن ابن ماجة 453.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين” صحيح سنن ابن ماجة 454.
قال ابن القيم رحمه الله في الزاد 1/899: “ومسح صلى الله عليه وسلم على الجوربين والنعلين”.
وأما الآثار عن السلف فقد نقل ابن المنذر رحمه الله في الأوسط 1/464 عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: “قد فعله سبعة أو ثمانية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم” اهـ.
فعن عمر بن حوشب قال: “رأيت عليا بال، ثم توضأ، ثم مسح على الجوربين” وسنده صحيح.
وعن رجاء بن ربيعة الزبيدي قال: “رأيت البراء توضأ فمسح على الجوربين” وسنده حسن.
وعن قتادة رحمه الله أن أنسا بن مالك رضي الله عنه كان يمسح على الجوربين، وسنده صحيح.
أما القياس فقد نص عليه أهل العلم من المحققين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “يجوز المسح على الجوربين..في أصح قولي العلماء، ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه، وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة” مجموع الفتاوى 21/214.
وقال ابن القيم رحمه الله بعد حكايته تنصيص الإمام أحمد على جواز المسح على الجوربين: “وإنما عمدته هؤلاء الصحابة، وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الخفين والجوربين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه” تهذيب السنن 11/122 مع حاشية المنذري.
وعليه فإن المسح على الجوربين بمنزلة المسح على الخفين.
فعن عطاء قال: “المسح على الجوربين بمنزلة المسح على الخفين” أخرجه بن أبي شيبة بسند صحيح.
وعن نافع مولى ابن عمر قال: “هما بمنزلة الخفين” نفسه بسند حسن.
ومع هذا كله فكثير من الناس يتحفظون من المسح على الجوربين خاصة إذا كان فيهما خرق أو ثقب، واشتراط عدم ذلك باطل(2) لم يرد لا في كتاب ولا في سنة ولا علم عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما أوردناه من أدلة على المشروعية فإنها علَّقت الحكم على مسمى الجورب، فكل ثقب أو خرق لا يؤثر في هذا المسمى، فالواجب البقاء مع أصل المشروعية، بمعنى أن وجود هذا الخرق أو الثقب لا يُخْرج الجورب عن كونه يسمى جوربا.
وقد صح عن سفيان الثوري أنه قال: “امسح عليهما ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة، مشققة، مرقعة؟” أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “ويجوز المسح..على الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكن وهو قديم الشافعي واختيار أبي البراكات وغيره من العلماء” الاختيارات العلمية 4/390.
قال بعضهم:
امسح على الخفين والنعلين *** والجوربين واللفافتين
من غير شرط في جميع ما ورد *** غير الوضوء فهو شرط معتمد
المسح أورده الكتاب المنزل *** وكذاك بيَّنه النبي المرسل
وشرعنا الإسلام شرع اليسر *** لا يرتضي بمشقة أو عسر
فلم التنطع في شروط المسح *** وقد أتانا المصطفى بالسمح
فلم يميز جوربا صفيقا *** من جورب وإن يكن رقيقا
وليس شرطا كونه من جلد *** أو من قماش أو قوي الشدّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: الخف: “ما يلبس في أرجل من جلد رقيق، والجمع أخفاف وخفاف وقيل: نعل من أدم يغطي الكعبين” الإفصاح في فقه اللغة 1/393، وسبل السلام 1/57.
2: وكذلك القول باشتراط أن يكون الجورب غليظا لا رقيقا لا دليل عليه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *