– قوله تعالى: {هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (الآية: 78).
«بناتي» هل تنصرف على بناته من صلبه أم بنات قومه؟
قال ابن كثير: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} قال مجاهد: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته؛ وكذا روي عن قتادة، وغير واحد.
وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوجوا النساء، ولم يعرض عليهم سفاحا.
وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم، هن بناته.
وكذا روي عن الربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم.
قال ابن الجوزي: وفي قوله: {هؤلاء بناتي} قولان:
أحدهما: أنهن بناته لصلبه، قاله ابن عباس؛ فإن قيل: كيف جمع، وإنما كن اثنتين؟
فالجواب: أنه قد يقع الجمع على اثنين، كقوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ}.
والثاني: أنه عنى نساء أمته، لأن كل نبي أبو أمته، والمعنى: أنه عرض عليهم التزويج، أو أمرهم أن يكتفوا بنسائهم، وهذا مذهب مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن جريج.
وهذا القول هو الأقرب للصواب، وإلا فكيف يكون الزواج لابنتين من كل هذا العدد من الرجال المتدافعين؟ والله تعالى أعلى و أعلم.
– قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (الآية: 80).
«القوة» و«الركن الشديد» في هذه الآية يفهمان على غير وجههما.
قال الطبري: {لو أن لي بكم قوة} بأنصار تنصرني عليكم وأعوان تعينني، {أو آوى إلى ركن شديد}، يقول: أو أنضم إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم.
قال الماوردي: قوله عز وجل: {قال لو أن لي بكم قوة} يعني أنصارا؛ وقال ابن عباس: أراد الولد، {أو آوي إلى ركن شديد} يعني إلى عشيرة مانعة، قال قتادة: يعني: إلى عشيرة قوية.
قال العلامة القاسمي: {قال لو أن لي بكم قوة} أي بدفعكم قوة، بالبدن أو الولد {أو آوى إلى ركن شديد} أي عشيرة كثيرة، لأنه كان غريبا عن قومه، شبهها بركن الجبل في الشدة والمنعة.
– قوله تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} (الآية: 87).
«صلاتك» هل هي الصلاة المعروفة؟ أم هي دينه بصفة عامة، وكنى عن الدين بالصلاة لغلبتها في شعائره؟
قال الماوردي: في «صلاتك» ثلاثة أوجه: أحدها: قراءتك، قاله الأعمش؛ الثاني: صلاتك التي تصليها لله تعبّدا؛ الثالث: دينك الذي تدين به وأمرت باتباعه، لأن أصل الصلاة الاتباع.
قال القرطبي: وروي أن شعيبا عليه السلام كان كثير الصلاة، مواظبا على العبادة فرضها ونفلها، ويقول: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلما أمرهم ونهاهم عيروه بما رأوه يستمر عليه من كثرة الصلاة، واستهزأوا به فقالوا ما أخبر الله عنهم.
وقيل: إن الصلاة هنا بمعنى القراءة، قاله سفيان عن الأعمش، أي قراءتك تأمرك، ودل بهذا على أنهم كانوا كفارا؛ وقال الحسن: لم يبعث الله نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة.
قال العلامة بن عاشور: كانت الصلاة من عماد الأديان كلها، وكان المكذبون الملحدون قد تمالأوا في كل أمة على إنكارها والاستهزاء بفاعلها، {أَتَوَاصَوْا بِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (الذاريات: 53)، فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم -بناء على التناسب بين السبب والمسبب في مخالفة المعتاد- قصدا للتهكم به والسخرية عليه تكذيبا له فيما جاءهم به؛ فإسناد الأمر إلى الصلوات غير حقيقي، إذ قد علم كل العقلاء أن الأفعال لا تأمر؛ والمعنى أن صلاته تأمره بأن يتركوا، أي تأمره بأن يحملهم على ترك ما يعبد آباؤهم؛ إذ معنى كونه مأمورا بعمل غيره أنه مأمور بالسعي في ذلك بأن يأمرهم بأشياء.