اعتاد كثير من المصلين أن يتلفظوا بالنية جاهرين بها، فيُسمع أحدهم يقول قبل أن يحرم بصلاة الظهر مثلا في المسجد: نويت أصلي أربع ركعات فرض صلاة الظهر جماعة وقد يزيد أيضا مقتدياً بهذا الإمام مستقبلاً الكعبة الشريفة.
وهذا التلفظ جهراً بالنية بدعة سيئة مذمومة مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لأن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان.
قال الإمام القرافي: (هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله). (الذخيرة 1/240).
وقال الإمام الخطابي: (النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له، وقيل عزيمة القلب). (مقاصد المكلفين ص:24)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والنية هي القصد والإرادة، والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء) (الفتاوى 22/236).
إن الأصل في العبادات التوقيف، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ بالنية وكذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علَّم أحداً من الصحابة التلفظ بالنية، ولو كان التلفظ مشروعاً لنقل إلينا كما نقلت إلينا أدق أعمال الصلاة وغيرها.
قال ابن القيم: (كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: (الله أكبر) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفظ بالنية البتة ولا قال: أصلي لله صلاة كذا مستقبل الكعبة أربع ركعات إماماً أو مأموماً. ولا قال: أداءً ولا قضاءً ولا فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة. بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة) (زاد المعاد 1/201).
وقال ابن الحاج في المدخل: (وما تقدم من أن النية لا يجهر بها فهو عام في الإمام والمأموم والفذ، فالجهر بها بدعة على كل حال إذ أنه لم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء ولا الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين جهروا بهـا فـلـم يـبـق إلا أن يكون الجهر بها بدعة).
وقال أبو عبد الله محمد بن القاسم التونسي المالكي: النية من أعمال القلوب فالجهر بها بدعة مع ما في ذلك من التشويش على الناس.
قال ابن الجوزي: (واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل العقل وجهل بالشرع، ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له وقال: نويت أن أنتصب قائماً تعظيماً لدخول هذا العالم لأجل علمه مقبلاً عليه بوجهي، سفه في عقله فإن هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم، فقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمان نظم هذه الألفاظ، والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض، وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قـلبه الظـهـرية والأدائيـة والفـرضية في حالـة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال، ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعـالـم لتـعذر عـليه فـمن عـرف هــذا عــرف النية) (تلبيس إبليس).
وقال الصادق المصدوق كما في الصحيح: “صلوا كما رأيتموني أصلي”، فما دام هذا العمل -وهو التلفظ بالنية- لم يثبت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في صلاته فالواجب على كل متبع لسنته محب لهديه أن ينأى عن مثل هذا الفعل ويلزم غرز السنة والأثر.
وعدم جواز التلفظ بالنية حكم عام في جميع العبادات من طهارة وصلاة وصيام واعتكاف وغيرها.