من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ذ.محمد أبوالفتح

• الدُرَّة المنتقاة :
عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس، (1987)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسنه الألباني.

• تأملات في الدُّرة:
في هذه الدرة النبوية أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ثلاثة:
* الأول: تقوى الله
وحقيقة التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وقد وردت للتقوى فضائلُ كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1. أنه سبب لولاية الله للعبد: قال تعالى:”أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ” (يونس 62-63).
2. أنه سبب لمعية الله للعبد وتأييده: قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ” (النحل128).
3. أنه سبب للدخول في رحمة الله: قال تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” (الأعراف156).
4. أنه عصمة من الشيطان: قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ” (الأعراف201).
5. أنه عصمة من كيد الأعداء: قال تعالى: “وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” (آل عمران120).
6. أنه سبب لتنوير البصيرة: قال تعالى: “يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً “(الأنفال29).
7. أنه سبب لقبول الأعمال الصالحة: قال تعالى: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” (المائدة27).
8. أنه سبب لتكفير السيئات، وللأجر العظيم: قال تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً”(الطلاق5).
9. أنه مخرج من الضيق، وسبب لسعة الرزق: قال تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ” (الطلاق2-3).
10. أنه سبب لتيسير الأمور: قال تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً” (الطلاق4).
11. أنه سبب لنيل الخيرات والبركات: قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ” (الأعراف96).
12. أنه سبب لحسن العاقبة: قال تعالى: “وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” (الأعراف128).
13. أنه منجاة من النار: قال تعالى: “ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ” (مريم72).
14. أنه سبب لدخول الجنة: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ”(الزمر73).

*الثاني: إتباع السيئة بالحسنة:
فالحسنة تذهب السيئة وتُكَفرها، سواء كانت هذه الحسنة توبة صادقة، أو كانت عملا صالحا من الأعمال المكفرة للذنوب والمعاصي، فأما الكبائر فلا بُدَّ لها من توبة، وأما الصغائر فإنها تكفرها بعض الأعمال مثل:
1. الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة: قال صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». (مسلم 233).
2. قيام رمضان، وقيام ليلة القدر: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليهما).
3. صيام رمضان، وصيام عرفة، وعاشوراء: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه)، وقال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» (مسلم).
4. العمرة: قال صلى الله عليه وسلم: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» (متفق عليه).
5. الحج: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (متفق عليه). وبعض العلماء يرى أن الحج يكفر الكبائر أيضا.
6. بعض الأذكار، مثل:
– الذكر بعد تشهد المؤذن: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». (مسلم).
– الذكر بعد الطعام واللباس: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ، مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ، وَرَزَقَنِيهِ، مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». (صحيح الجامع 6086).
– قول: سبحان الله وبحمده مائة مرة: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (متفق عليه).

* الثالث: معاشرة الناس بخلق حسن
وذلك بكف الأذى عنهم، وبذل المعروف لهم، وقد وردت في فضل حسن الخلق أحاديث كثيرة نذكر منها:
– قوله صلى الله عليه وسلم: “إَنَّ أَكْمَلَ المُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً” (صحيح الجامع1578).
– وقوله صلى الله عليه وسلم: “صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ، وَحُسْنُ الجِوَارِ، يَعْمُرْنَ الدِّيَارَ، وَيَزِدْنَ فِي الأَعْمَارِ” ( صحيح الجامع3767).
– وقوله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ شَيْءٍ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ” (صحيح الجامع5721).

• وَمَضَاتُ الدُّرة :
في هذا الحديث من الفوائد:
1. كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمَّته، ومن ذلك ما اشتمل عليه هذا الحديث من هذه الوصايا الثلاث العظيمة الجامعة.
2. وجوب تقوى الله تعالى في كل زمان ومكان.
3. أن السيئة واقعة من العبد لا محالة، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بدفعها بالحسنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ” (صحيح الجامع4515).
4. أن الحسنة تُذهب السيئة وتمحوها، كما قال تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ” (هود114).
5. الحث على معاشرة الناس بالخلق الحسن، وهذا عام يشمل الناس جميعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *