متى يجوز الكذب

(عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها قالت: رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْحَرْبِ، وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ).

وفي رواية: (حديث الرجل امرأته, وحديث المرأة زوجها).

فقه الحديث:
قال النووي: (قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور, واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟
فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (بل فعله كبيرهم) (وإني سقيم) وقوله: “إنها أختي”، وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم : (أيتها العير إنكم لسارقون). قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف، وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو، وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلا.
قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية، واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب، مثل أن يَعِد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلك. وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة، يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه. وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم، وينوي إمامهم في الأزمان الماضية: أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه. هذا من المعاريض المباحة، فكل هذا جائز. وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض. والله أعلم).
قلت -أي الشيخ الألباني-: لا يخفي على البصير أن قول الطائفة الأولى هو الأرجح والأليق بظواهر هذه الأحاديث، وتأويلها بما تأولته الطائفة الأخرى من حملها على المعاريض مما لا يخفى بعده، لا سيما في الكذب في الحرب، فإنه أوضح من أن يحتاج إلى التدليل على جوازه، ولذلك قال الحافظ في الفتح:
(قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة، لكن التعريض أولى.
وقال ابن العربي المالكي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا، انتهى.
ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة، وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، وإخباره لأهل مكة أن أهل خبير هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه).
أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني رحمه الله تعالى رقم الحديث 545.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *