من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (الحلقة السادسة والعشرون) د. محمد أبوالفتح

الدُرَّة المنتقاة:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!». متفق عليه.

تأملات في الدُّرة:
في هذه الدُّرة النبوية أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أننا سنتبع طريق من سبقنا من الأمم في كل صغيرة وكبيرة، حتى لو دخلوا جُحْرَ الضَّب لاتبعناهم في ذلك، والضب حيوان صحراوي يشبه التمساح الصغير (يصل إلى 85 سنتمتر)، وله جحر ضيق رديء. والمقصود بهذا التمثيل أننا سنقتدي بمن سبقنا في كل شيء مما نهى عنه الشرع، مهما عظم قبحه، واشتدت رداءته.
فسأله بعض الصحابة عن المقصود بمن قبلنا، أَهُمُ اليَهُودُ والنَّصَارى؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: “فمن؟!”، أي: من المقصود إن لم يكونوا هم المقصودين؟!

وَمَضَاتُ الدُّرة:
في هذه الدرة النبوية من الفوائد:
– أن لله تعالى في الأمم سُنَنًا لا تتغير ولا تتبدل، ولهذا حين قال بعض الصحابة ممن أسلم حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم: “اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط” -وهي شجرة يعلق عليها المشركون سيوفهم تبركا وطلبا للنصر على الأعداء- أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: “الله أكبر إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون)، لتركبن سنن من كان قبلكم” (حديث صحيح).
– نهيه صلى الله عليه وسلم عن تقليد اليهود والنصارى في ضلالهم، واتباعهم في طريقهم، كما قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (المائدة51). ولا شك أن تقليد اليهود والنصارى في عباداتهم وعاداتهم نوعُ موالاة لهم؛ ومن ذلك تقليدهم في الاحتفال بأعيادهم، ولهذا قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: “من بنى في بلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم (أعيادهم)، وتشبه بهم حتى يموت، وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة” (أخرجه البيهقي بسند صحيح موقوفا). وعن عمر رضي الله عنه قال: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم (أخرجه البيهقي بسند حسن).
– تَحَقُّقُ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تقليد أمته لليهود والنصارى، ومن وجوه هذا التقليد مشاركتهم في الاحتفال بأعيادهم، خاصة عيد رأس السنة الميلادية، وهو أمر لا يجوز، تُرَدُّ به الشهادة، وتسقط به العدالة في المذهب المالكي.
قال الشيخ خليل في مختصره (ص223) وهو يستعرض ما تُرد به الشهادة: “…وَلَعِب نَيْرُوز”.
قال الدردير في شرحه على خليل (4/181): “أي: أن اللعب في يوم النيروز، وهو أول يوم من السنة القبطية، مانع من قبول الشهادة، وهو من فعل الجاهلية والنصارى ويقع في بعض البلاد من رعاع الناس”.
وقال العبدري في التاج والإكليل (8/200) نقلا عن ابن عَات: “يُجَرَّح الرجل بصنيعة النيروز والمهرجان إذ هو من فعل النصارى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *