من فقه البيوع حكم سداد القرض بعملة أخرى غير المقرضة (هذا البحث ملحق بالنوع الثالث من البيوع المحرمة وهي بيوع الربا) ياسين رخصي

إن مسألة سداد الدين بعملة مغايرة، مسألة كثيرة الوقوع عامة الحدوث، ذلك كانت الحاجة ماسة لمعرفة حكمها لخفائه على كثير من الناس.
وصورتها: أن يقترض شخص من آخر مبلغ 1000 درهم مثلا، ويتفق مع المقرض -مسبقا- على أن يسددها بما يعادلها من (الأورو) أو (الدولار) عند حلول موعد السداد. فهل تجوز هذه الصورة من المعاملات؟
والجواب:
أن الأصل فيمن اقترض مالا أن يرد مثل ما اقترض من غير زيادة ولا نقصان، لحديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلٌ بِمِثْلٍ، يَدٌ بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ” رواه مسلم.
فدلّ الحديث على اشتراط التساوي والتقابض عند مبادلة الجنس الربوي1 بمثله، وعلى جواز التفاضل عند اختلاف الجنس بشرط التقابض وعدم التأخير.
ومن المقرر عند كثير من أهل العلم المعاصرين وبه أفتت المجامع الفقهية وكثير من الهيئات الشرعية أن العملات النقدية الحديثة أجناس قائمة بذاتها لها ما للذهب والفضة من أحكام.
وعليه فالدرهم المغربي جنس، والدولار الأمريكي جنس والريال السعودي جنس وهكذا كل عملة جنس مستقل بذاته. فإذا اتحدت العملة اشترط لمبادلة بعضها ببعض شرطان: التساوي والتقابض.
وإذا اختلفت العملات جاز مبادلة بعضها أكثر من بعض بشرط واحد وهو: التقابض.
فيجوز مثلا مبادلة 900 درهم بـ100 أورو إذا حصل التقابض في مجلس العقد، وأما مع التأخير فلا.
بناءا على هذا فلا يجوز لمن اقترض من شخص مبلغ 1000 درهم مثلا أن يتفق مع المقرض على تسديدها بما يعادلها من الأورو أو غيره عند موعد السداد، لما ذكرنا آنفا: أنه إذا اختلف الجنس وجب التقابض، وحرم التأخير.
إلا أنه يجوز اتفاق الدائن والمدين في يوم سداد الدين لا قبله على قضاء الدين بعملة أخرى بسعر صرفها في يوم السداد، ويدل عليه ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ في الْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَبِيعُ الإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا بَأْسَ، إذا أخذتهمَا بِسِعْرِ 2يَوْمِهَا، فافترقتما وليس وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ” رواه الخمسة وصححه الحاكم ورجح الألباني وقفه .
ومما جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن:
– يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا -قبله- على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة، الاتفاق يوم سداد أي قسط أيضا على أدائه كاملا بعملة مغايرة، بسعر صرفها في ذلك اليوم، ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة.
تنبيه: ما ذكرنا من الحكم يشمل الدين الذي يكون في الذمة بسبب القرض كما يشمل ما يثبت في الذمة من الدين بسبب البيع.

وبالله التوفيق.
———————
1 – الجنس الربوي هو ما يجري فيه الربا، والأجناس الربوية هي المذكورة في حديث عبادة وما في معناها مما قاس العلماء على اختلاف بينهم في تحديد علة الربا في تلك الأجناس.
2 – انظر إرواء الغليل حديث رقم:1324.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *