مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد” صحيح موقوف عن عبد الله بن الزبير أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في السنن وغيرهم.
أخرج الترمذي في سننه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق (المخراق: المنديل يلف ليضرب به)، من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: “زجرة بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر”، قالوا: صدقت..” الحديث وقال: هذا حديث حسن غريب.
هكذا ينبغي للمسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن يتعامل مع الظواهر الموسومة بالطبيعية، بل ينبغي أن يعتقد أن هذا الكون كله متماسك متراص، لا خلل فيه ولا اعوجاج، والكل يسبح الله تعالى بكيفيته التي شرعت له، ولا ينبغي أن يتطاول على تخصصات غيره، ولا أن يتكلم فيما لا يحسن لأن ذلك سيؤدي به إلى الفساد والإفساد من حيث لا يشعر، وقديما قال الغزالي رحمه الله وغفر له: “لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف”.
فالظواهر التي يعيشها الإنسان ويراها ينبغي أن يأخذ منها العبرة والعظات، وأن تكون له وسيلة إلى التعلم بل إلى السمو والارتفاع بالنفس إلى الأعلى لا أن تخلد به إلى الأرض فيتبع هواه، والله سبحانه وتعالى ضرب لنا الأمثال في القرآن وأيضا ضربها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح السنة، قال الله تعالى: “هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ”، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها، فالمسلم مثلا ينبغي له حينما يسمع الرعد أن يسبح الله تعالى وأن يخاف من عواقب ما قد يترتب على ذلك، لأن هذه الآيات إنما أراه الله إياه خوفا وطمعا، كما أن فيها إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى المستحق لأن يعبد لا غيره لذلك ختم الآية بقوله: “لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ”، فهو وحده سبحانه وتعالى المستحق للعبادة، وهو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء والخوف والرجاء والحب والرغبة والرهبة والإنابة.
ثم مثل سبحانه وتعالى من يدعو غيره بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه، وفي معنى هذا المثل يقول القرطبي المفسر المالكي: “ثلاثة أوجه: أحدها: أن الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه، الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه، الثالث: أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يجمد في كفه شيء منه”.
وفي الآية أيضا إشارة واضحة إلى أن الذي يملك المنع والعطاء ويرفع ويخفض هو الله سبحانه وتعالى، وأن الذي يطمع في غيره لينقذه -زعموا- لن يستجيب له ولن ينفعه في الرخاء بله في الشدة، لذلك قال تعالى: “وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ”، ومن ثم كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كما في أثر الباب إذا سمع الرعد ترك كل شيء، وفي بعض الروايات حثا وترك الحديث واشتغل بالذكر والعبادة والتسبيح وقال: “إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض”، وكان ابن عباس رضي الله عنهما أيضا كما في الأدب المفرد إذا سمع صوت الرعد قال: “سبحان الذي سبَّحْتَ له”، قال: “إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه”، فاللهم صيبا نافعا اللهم صيبا نافعا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.