إذا كان سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق الذي له الملك والأمر فإنه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ولذلك فهو لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، مهما بلغ هذا الشخص من الطهارة والعلو والرفعة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل وإذا كان الحال كذلك في حق من اصطفاهم الرب سبحانه فغيرهم من باب أولى لأن العبادة لا تصلح إلا لله تعالى، وصرفها لغيره ظلم عظيم.قال الله تعالى: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً”.فقوله تعالى: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ” يعني: المواضع التي بنيت للصلاة والعبادة وذكر الله تعالى فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا الدعاء لله وحده وهذا قول الجماهير من علماء التفسير.
قال عليه الصلاة والسلام في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد: “إن هذا المسجد لا يصلح لشيء من ذلك إنما بُنِيَ لذكر الله تعالى والصلاة” أخرجه البخاري ومسلم. وقيل: أراد بالمساجد بقاع الأرض كلها لأن الأرض كلها جعلت مسجدا. قال عليه الصلاة والسلام: “وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وقيل: المساجد أعضاء السجود التي يسجد عليها الإنسان فهذه الأعضاء مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره.
قال عليه الصلاة والسلام: “أمرت أن أسجد على سبع: الجبهة، والأنف، واليدين، والركيتين، والقدمين” أخرجه مسلم وغيره. أما قوله: ” فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً” على معنيين عند العلماء:
-1 الدعاء: السؤال الذي هو أحد مفردات العبادة ليمنع غيره من باب أولى لأن الدعاء لب العبادة، فإذا منع صرفه لغير الله منع غيره من باب أولى فجاء التمثيل بالدعاء لا ليقصر عليه الحكم وإنما ليجعل مثالا ويمنع غيره من باب أولى.
-2 وقيل أن قوله ” فَلَا تَدْعُوا” أي لا تعبدوا وهو قول الجماهير من المفسرين لقوله صلى الله عليه وسلم: “الدعاء هو العبادة” صحيح، فجعل الدعاء بمعنى العبادة.
والمقصود نهي الله تبارك وتعالى أن يدعى ويعبد غيره معه, وأكد ذلك بقوله: “أَحَداً” التي هي نكرة في سياق النهي، والقاعدة عند الأصوليين والعلماء أن النكرة إذا جاءت في سياق النهي تعم فيكون المعنى: لا تعبد غير الله مهما كان هذا الغير سواء أكان ملكا مقربا أم نبيا مرسلا أم جمادا أم حيوانا أم غير ذلك.
قال الناظم:
والله لا يرضى بأن يشرك في *** عبادة معه بثان يقتفي
لا ملك مقرب ولا نبي *** ولو يكون مرسلا قد اجتبي
فالجزء من عبادة لما سواه *** كفر مخالف لما فيه رضاه