قال ربنا تبارك وتعالى في مطلع سورة الأنعام: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ).
اختلف العلماء هنا في معنى كلمة (يعدل)، فعلها الأصل الجذر (عدل)، (عدل) تأتي على معنيين:
فإذا قلنا عدل عن الشيء أي مال عنه وانحرف، وإذا قلنا عدل به أي ساواهُ بغيره..
إذا قلنا عدل عن الشيء يعني انحرف ومال، وإذا قلنا عدل به، أصبح ساواه بغيرهِ وبنظيرهِ وبمثيلهِ أي جعله نداً ومثيلاً لغيره..
فأي المعنيين أراد الله تعالى؟
أي المعنيين اخترت فهو صحيح لأن أهل الإشراك عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة غيره، فهذا المعنى الأول، وعدلوا مع الله غيره أن جعلوا له شركاء وأندادا، فكلا الأمرين وقعا من أهل الإشراك، وتحرير الكلام علمياً:
فكلمة (بِرَبِّهِم): الباء هنا هل هي للإلصاق أو بمعنى (عن)؟
فإذا أخذنا أن عدل بمعنى: انحرف ومال تُصبح بمعنى (عن)، فيصبح معنى الآية: ثم الذين كفروا عن ربهم يعدلون، وقد جاء في القرآن وفي كلام العرب أن الباء تأتي بمعنى عن، قال تعالى في سورة المعارج: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) والمعنى: سأل سائل عن عذابٍ واقع، فالباء هنا بمعنى (عن)، وجاء في لغة العرب قال عنترة -الشاعر الجاهلي المعروف- قال:
هلاّ سألت الخيل يا ابنة مالكٍ إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
ابنة مالك: عبلة محبوبته ابنة عمه، جاهلةً خبر لكان، بما لم تعلمي أي: عمّا لم تعلمي أي بمعنى عن وهو الذي نبحث عنه الآن..
فـ (عدل) إذا قلنا أنها بمعنى مال وانحرف تصبح الباء بمعنى (عن)..
وإذا قلنا أن (عدل) بمعنى أن أهل الإشراك يجعلون مع الله نداً فتبقى الباء على أصلها. (انظر محاسن التأويل/سورة الأنعام).