سلسلة التوحيد عند الصوفية: وقفة مع الحكيم الترمذي من خلال كتابه (ختم الأولياء)أبو محمد عادل خزرون التطواني

تدرج الترمذي في دعواه تدرجاً إبليسياً خبيثاً؛ حيث هو يجابه العالم الإسلامي بمثل هذه العقيدة الفاسدة، فيتذرع لنشر عقيدته الباطلة بتحريف النصوص القرآنية والحديثية؛ فيزعم أن للأولياء البشرى في الحياة الدنيا مستدلاً بقوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس:62-64]. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر بعض أصحابه بالجنة، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر البشرى باقية في الرؤيا[1].
أقول.. يتذرع الترمذي بهذه النصوص من القرآن والسنة الصحيحة ليبث في عقائد المسلمين أن الولاية لا تنقطع؛ وأن فضل الله على هذه الأمة لا يتوقف؛ وأن البشرى باقية بعد الرسالة؛ وأن الأولياء يصلون إلى معرفة الحق لأن الله في زعمه كشف عنهم الحجب كلها ويقول في هذا الشأن بالنص:
“…فهذه الطبقة التي يكبر في صدورهم (يغمز بذلك علماء السنة الذين ينكرون هذه الترهات والأكاذيب) بلوغ الأولياء هذا المحل من ربهم فيدفعون هذا لجهلهم، لا يعلمون أن لله عباداً أغرقوا في بحر جوده، فجاد عليهم، بكشف الغطاء عن قلوبهم، عن عجائب، وأطلعهم من ملكه ما نسوا في جنبه كل مذكور، حتى تنعموا به في حجبه الربانية”[2].
ثم يستطرد الترمذي أيضاً عائباً على من يعيب على المتصوفة هذه الدعاوي الباطلة فيسميهم علماء حطاميين أي أهل دنيا، وتارة بلعاميين -نسبة إلى بلعام بن باعوراء- اليهودي الذي يذكر المفسرون أن الله أنزل في شأنه آيات في سورة الأعراف: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾…
يقول: ..إن هذا الأمر أجل من أن يفهمه الحطّاميون[3]، والبلعميون، قيل له: وما الحطاميون، وما البلعميون؟
قال: من أوتي ما أوتي من آيات الله وعلم هذا الطريق ﴿فانسلخ منها﴾ ﴿اخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾، فهو يتأكل لهذا الاسم، ويكدر هذا الماء الصافي بجهله، فهم عبيد النفوس لم يخرجوا عن رقها، وشدوا شيئاً من هذا الكلام، التقاطا وتوهما ومقاييس، فهم علائق الشيطان، يسبحون في ماء كدر، ويتلوثون في حمأة[4] منتنة، فالماء الكدر علمهم، والحمأة مأكلهم التي يتناولونها بذلك العلم.
ثم يدعي الترمذي بعد ذلك للأولياء أنهم يخبرون ويغترفون مما يغترف منه الأنبياء. وأن الأولياء يبشرون (بالبناء للمجهول) كما يبشر الأنبياء ويرد على من يحتج عليهم أيضاً بقوله تعالى: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف:99] انظر إليه يقول:
“فإذا ذكر شأن الأولياء قدروا أحوالهم على ما يرون من أمور نفوسهم فكذبوا نعم الله تعالى، ودفعوا منه وجهلوا أمره. فهذا من أعظم الفرية على الله تعالى..
قال له قائل: فإن بعضهم احتج بقوله تعالى: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ وقال: إن الأمن من مكر الله أو ضلال هذه الطبقة، وهذا يؤدي إلى الزندقة).
وقال تعالى: ﴿قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل:65].
والمحبة والسعادة والشقاوة غيب عند الله تعالى، لا يعلم إلا هو.. وزعم أنك ناظرت يحيى بن معاذ في ذلك حتى بقي متحيراً.. وأن هذه الطبقة تقدم نفسها على الأنبياء.[5]
قال له: أما قوله تعالى: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ فهذا قوله تعالى، لا ريب فيه ولا في قبوله. وهو أنه لا يعلم ما حاله عند الله تعالى  فإن أمن فهو خاسر جاهل. كأنه حكم على الله من غير أن يحكمه. فأما من بشره الله فرد بشراه فقد اجترم، كما اجترم ذلك الآخر، فهذا من ذلك الوجه، فحق على من لا يعلم أن لا يأمن، وحق على من أمن أن يأمن، فليس الأنبياء عليهم السلام كانوا يؤمنون (من أنفسهم) ولكن لما أُمِّنوا أَمِنُوا والأنبياء لهم عقدة النبوة والأولياء لهم عقدة الولاية..” اهـ[6].
وللحديث بقية..

[1]  – ختم الأولياء”ص50-51-52 ، ط  . دار الكتب العلمية.الفصل الرابع عشر والذي عنونه بـ :” البشرى”
[2]  – ختم الأولياء ص56، ط  . دار الكتب العلمية.الفصل السادس عشر والذي عنونه:” تفكير عامة المؤمنين وتفكير خاصة  الأولياء.
[3]  – لعل المقصود بهم أهل الحطمة، ففي التنزيل :﴿ كلا لينبذن في الحطمة﴾، والحطمة: اسم من أسماء النار، نعوذ بالله منها ، لأنها تحطم ما تلقى ، وقيل: الحطمة باب من أبواب جهنم، وكل ذلك من الحطم الذي هو الكسر والدق، ” اللسان 12/138″ مادة: حطم .
[4]  – الحمأة : الطين الأسود المنتن المتغير ﴿ج﴾ حمأ.
[5]  – المصدر السابق ص 57.
[6] –  المصدر السابق ص 57.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *