“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” أسماء الله تعالى العليم، عالم الغيب وعلام الغيوب الحلقة السابعة والأربعون ناصر عبد الغفور

إن مدارسة أسماء الله جل وعلا والعلم بها ومحاولة العمل بمقتضاها من أعظم سبل الفلاح في الدنيا والآخرة، والسير إلى الله تعالى بمعرفة أسمائه سبحانه كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “شأنه عجب وفتحه عجب، صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه”1، فأسماؤه سبحانه كلها خير “بل الخير ليس إلا ثمرة لها وكل الفضل ليس إلا زهرة من شجرتها”2 ، وكيف لا تكون كذلك ومعرفة الله تعالى بأسمائه كانت أصلا من أصول دعوة الرسل كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “إن دعوة الرسل تدور على ثلاثة أمور: تعريف الربّ المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله، الأصل الثاني: معرفة الطريقة الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبّه وكمال الذل له، الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم الذي أفضله وأجله رضاه عنهم وتجليه لهم ورؤيتهم 3وجهه الأعلى وسلامه عليهم وتكليمه إياهم” .
فمع اسم آخر من أسماء الله تعالى الحسنى في هذه السلسلة المباركة التي أرجو أن تكون سلما لمرضاته ونيل رضوانه.. مع اسم الله تعالى العليم، وقريب منه اسمه سبحانه عالم الغيب وعلام الغيب.

فمن أسمائه سبحانه العليم وعالم الغيب وعلام الغيوب.
– وقد ورد اسم العليم في عدة مواضع من القرآن الكريم بلغت أكثر من مائة وخمسين موضعا، منها:
قوله تعالى: “قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” البقرة:32.
وقوله تعالى: “إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” الأنفال:17، وقوله: “أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” هود:5.
– أما اسم العالم فلم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا أو مضافا، وذلك في ثلاث عشر موضعا من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: “وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ” الأنعام:73.
“ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” التوبة:94.
“عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ” الرعد-9.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت”، قال: “قل اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، ربّ كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك” صحيح الجامع حديث رقم:4402.
– كذلك اسم العلام لم يرد إلا مضافا، وذلك في أربعة مواضع وهي:
“قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ” المائدة:109.
“تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ” المائدة:116.
“أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ” التوبة:78.
“قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ” سبأ:48.
وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: “إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من 4فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب..” الحديث .
ولما كانت أسماء الله تعالى توقيفية، لم يجز أن نثبت منها إلا ما ثبت وكما ثبت، واسم العالم وكذا العلام لم يثبتا إلا مضافين لا مطلقين، فوجب إثباتهما 5كذلك .

المعنى اللغوي:
– العليم من أبنية المبالغة على وزن فعيل، من علم يعلم علما والعلم نقيض الجهل، ويقال: علِم -بالكسر- علما، وعلم -بالضم- هو نفسه. ورجل عالم وعليم من قوم علماء، والعلام أو العلامة الكثير العلم، وهو كذلك من صيغ المبالغة.
وعلم الشيء بالكسر يعلمه علما عرفه، ورجل علامة أي عالم واستعلمه الخبر فأعلمه إياه، وعلمه الشيء تعليما فتعلم وليس التشديد هنا للتكثير بل للتعدية، 7ويقال أيضا تعلم -بالتشديد- بمعنى اعلم 6 وتعالمه الجميع أي علموه .
وفي تهذيب اللغة؛ يقال: رجل علامة إذا بالغت في وصفه بالعلم8 .. ويجوز أن تقول علمت الشيء بمعنى عرفته وخبرته.. ويقال: ما علمت بخبر قدومك أي ما شعرت.
وفي اللسان يجوز أن يقال للإنسان الذي علمه الله علما من العلوم عليم، كما قال يوسف للملك: “إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” يوسف:55.
قال ابن بري: وجمع عالم علماء ويقال علام أيضا.
وقال كذلك: وتقول علم وفقه أي تعلم وتفقه، وعلم -بالضم- وفقه -بالضم- أي ساد العلماء والفقهاء.
————
1- طريق الهجرتين وباب السعادتين: 334/1- دار ابن القيم.
2- النور الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للشيخ أمين الأنصاري.
3- الصواعق المرسلة- 1489/4- دار العاصمة.
4- صحيح البخاري- باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى من كتاب التهجد.
5- وممن ذكر اسم العالم مطلقا ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته، حيث قال: “العالم الخبير المدبر..”، وقد ذكر شارحها الشيخ عبد المحسن العباد البدر أنه ورد في بعض النسخ العليم بدل العالم ورجح اسم العليم، انظر قطف الجنى الداني ص72-73.
6- وفي حديث الدجال: “تعلّموا أن ربكم ليس بأعور” بمعنى اعلموا، وكذلك الحديث الآخر: “تعلموا أنه ليس يرى أحد منكم ربه حتى يموت”، كل هذا بمعنى اعلموا (أفاده ابن منظور في اللسان).
7- مختار الصحاح.
8- أي عالم جدا والهاء للمبالغة (اللسان)، ويقال علامة وعلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *