لقد أمر الله بصلة الأرحام والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعدَّ صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومُصْلٍ للمسيئين لأرحامهم بنار الجحيم. وعلى الرغم من وصية الله ورسوله بالأقارب وعدّ الإسلام صلة الرحم من الحقوق العشرة التي أمر الله بها أن توصل في قوله تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى” البقرة، إلا أن كثير من المسلمين أضاع هذا الحق مثل إضاعتهم لغيره من الحقوق أو أشد، مما جعل الحقد والبغضاء والشحناء تحل محل الألفة والمحبة والرحمة بين أقرب الأقربين وبين الأخوة في الدين على حد سواء.
والرحم هي كل من تربطك به صلة نسبية من جهة الأم أو الأب، ويدخل في ذلك من تربطك به صلة سببية من النكاح أيضاً، وهم الأصهار، والمسلم مأمور بأن يصل رحمه، بالإحسان إليهم مادياً ومعنوياً، وببذل المعروف والتزاور بين الحين والآخر، فإن الإحسان إليهم وبذل المعروف لهم يزيد في محبتهم وتوثيق العلاقة بهم.
والزيارة بين الحين والآخر بمراعاة أصولها وآدابها تزيد في المحبة بين المتزاورين، والمحبة تؤدي إلى تقوية الروابط وشد الأواصر، وذلك يبعث على الرحمة والمناصرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
فضل صلة الرحم
صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه” البخاري، وهي سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه” البخاري ومسلم. (والمراد بزيادة العمر هنا إما: البركة في عمر الإنسان الواصل، أو يراد أن الزيادة على حقيقتها فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه فهذا لا يتغير. والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب.
وصلة الرحم تجلب صلة الله للواصل، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة: قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، واقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك” البخاري ومسلم.
وصلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم” رواه البخاري ومسلم.
عقوبة تارك الرحم
لقد حذر الله تعالى من قطيعة الرحم وأخبر أنها فساد في الأرض، فقال تعالى: “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم” (محمد). قال علي بن الحسين لولده: يا بني لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواطن.
وقاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، فعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وقاطع الرحم لا يرفع له عمل ولا يقبله الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم” صحيح الترغيب والترهيب.
وهي سبب في المنع من دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة قاطع رحم” الترمذي.
بأي شيء تكون الصلة؟
وصلة الرحم تكون بأمور عديدة منها زيارة الأقارب وتفقّد أحوالهم، والسؤال عنهم والإهداء إليهم، وإنزالهم منازلهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم وضعفتهم، وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة، إما أن يأتي الإنسان إليهم بنفسه أو يصلهم عبر الرسالة أو المكالمة الهاتفية.
وتكون باستضافتهم وحسن استقبالهم وإعزازهم وإعلاء شأنهم وصلة القاطع منهم.
وتكون أيضا بمشاركتهم في أفراحهم ومواساتهم في أتراحهم، وتكون بالدعاء لهم وسلامة الصدر نحوهم وإصلاح ذات البين إذا فسدت بينهم، والحرص على تأصير العلاقة وتثبيت دعائمها معهم.
وتكون بعيادة مرضاهم وإجابة دعوتهم وأعظم ما تكون به الصلة أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر..