حديث: “اختلاف أمتي رحمة” محمد أبوالفتح

هذا الحديث على شهرته لا يعرف له إسناد يُروى به عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• قال السبكي: “ليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع”( 1).
• وقال الألباني: “لا أصل له، ولقد جَهِدَ المُحَدِّثُون في أن يقفوا له على سند فلم يُوَفَّقُوا”(2).
فالحديث ليس له سند معروف عند أهل العلم، وهو مع ذلك مخالفٌ للكتاب والسنة والأثر.
 فأما مخالفته للكتاب فيقول الله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ [هود 118-119]. قال قتادة: “أهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرقت دورُهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم” [أخرجه الطبري عنه بإسناد حسن].
قال الشيخ الألباني رحمه الله: “فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون، وإنما يختلف أهل الباطل فكيف يعقل أن يكون الاختلاف رحمة؟!”(3 ). والآيات الداعية إلى لزوم الجماعة، واجتناب التنازع والفرقة أشهر من أن تذكر.
 وأما مخالفته للسنة فقد روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: “الجماعة رحمة، والفرقة عذاب” (صحيح الجامع 3109). فمن المعلوم أن الاتفاق يُفْضِي إلى الاجتماع، كما أن الاختلاف يُفْضِي إلى الفرقة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فالرحمة إذاً في الاتفاق على الحق والاجتماع عليه، وليست الرحمة في الاختلاف. ويدل على ذلك ما آل إليه أمرُ مُتَعَصِّبَةِ المذاهبِ من الفرقة. قال الشيخ الألباني رحمه الله: “..وأما المقلدون فاختلافُهم على النَّقيض من ذلك تماما، فقد كان من آثاره أنْ تَفَرَّقَ المسلمون في أعظم ركن بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة، فهم يَأْبَوْنَ أن يُصلوا جميعا وراء إمام واحد، بحجة أن صلاة الإمام باطلة أو مكروهة على الأقل بالنسبة إلى المخالف له في مذهبه، وقد سمعنا ذلك ورأيناه كما رآه غيرنا، كيف لا؟! وقد نَصَّت كُتُبُ بعضِ المذاهب المشهورة على الكراهة أو البطلان، وكان من نتيجة ذلك أن تجدَ أربعة محاريب في المسجد الجامع، يصلي فيها أئمة أربعة متعاقبين، وتجد أناسا ينتظرون إمامَهم بينما الإمام الآخر قائم يصلي، بل لقد وصل الخلاف إلى ما هو أشد من ذلك عند بعض المقلدين، مثاله: منع التزاوج بين الحنفي والشافعي، ثم صدرت فتوى من بعض المشهورين عند الحنفية -وهو الملقب بـ(مفتي الثقلين)- فأجاز تزوج الحنفي بالشافعية وعلل ذلك بقوله: (تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب) ومفهوم ذلك -ومفاهيم الكتب معتبرة عندهم- أنه لا يجوز العكس، وهو تَزَوُّجُ الشافعي بالحنفية، كما لا يجوز تزوج الكتابي بالمسلمة”(4 ). والأحاديث الداعية إلى لزوم الجماعة، والبعدِ عن الاختلاف والفرقة معلومة مشهورة.
 وأما مخالفته للأثر فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه أنكر إتمام عثمان رضي الله عنه للصلاة في السفر، وصلى خلفه مُتِمًّا، فلما قيل له: “عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟!، قال: “الخلاف شر” [سنن أبي داود 1960]. فالحديث كما قال الشيخ الألباني رحمه الله: ” لا يصح لا سندا ولا متنا”( 5).
فالاختلاف وإن كان واقعا قدرا فيجب مدافعته شرعا، والسعي إلى درئه وتقليله ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، كما نسعى إلى دفع المعاصي والشرور التي قدر الله تعالى وقوعها ابتلاء واختبارا للعباد.
ومن الآثار السيئة لهذا الحديث الباطل الاسترواح إلى الخلاف، وعدم بذل الوسع في طلب الحق، بل واتباع الهوى بتتبع رخص العلماء، بزعم أن في اختلافهم رحمة ومخرجا لكل من ضاق ذرعا بأحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقد حذر العلماء من ذلك أشد التحذير، قال سليمان التيمي: (لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كل”( 6)، وقال ابن القيم رحمه الله: “..ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد”(7 ). نسأل الله تعالى السلامة والعافية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) فيض بقدير (1/209).

([2]) سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 141 ).

([3]) مقدمة صفة الصلاة (ص49).

([4]) نفسه (ص66).

([5]) نفسه (ص60).

([6])السير6/198.

([7]) إغاثة اللهفان 1/228.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *