ومما زادني فخرا وتيــــــها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبـيا
أشير -بادئ ذي بدء- أن الباعث إلى كتابة هذه المقالة، ما تعرضت له صورة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالكلمة المقروءة والمسموعة وبالصورة و”الكاريكاتير” من تشويه واستهزاء، سواء من قبل الأعداء أو الأدعياء، مع جهل أبناء الأمة الإسلامية بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فلو قمنا بتوزيع استمارة على عدد من أفراد المجتمع الإسلامي بخصوص وصف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا بتفريغها لوجدنا العجب العجاب، وكمًّا من المضحكات المبكيات..؟!
وحتى لا يغيب عن أذهاننا الحبيب صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ودلا وخِلقة، نقسم الموضوع إلى شقين للحديث عن: الجانب الخِلقي، والجانب الخُلقي.
وقبل الكلام عن الوصف الخَلقي والخُلقي للنبي صلى الله عليه وسلم نتعرف عن بعض أسمائه: فعن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي” رواه مسلم.
1- الوصف الخِلقي للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
ورد في كتب الحديث والشمائل أحاديث كثيرة في وصفه صلى الله عليه وسلم ومن أجمعها حديث علي رضي الله عنه وفيه يقول وهو ينعت النبي صلى الله عليه وسلم: “لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم (معتدل القامة)، لم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، وكان جعداً رَجلاً (أي أن شعره لم يكن شديد الجعودة ولا سائل ليس فيه شيء من الجعودة)، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مشرباً، أدعج العينين، أهدب الأشفار (الذي شعر أجفانه كثير مستطيل)، جليل المشاش (عظيم رؤوس العظام) والكتد، دقيق المسربة، أجرد، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: “لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم” رواه الترمذي وهو حديث حسن.
وهذه بعض الأحاديث الجامعة لأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا القصير” متفق عليه.
“كان الرسول صلى الله عليه وسلم، أبيض مليح الوجه” رواه مسلم.
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مربوعاً (ليس بالطويل ولا القصير)، عريض ما بين المنكبين، كثَّ اللحية، تعلوه حُمرة، جُمَّتُه إلى شحمة أذنيه، لقد رأيته في حُلة حمراء، ما رأيت أحسن منه”. رواه البخاري (كث اللحية: كثير الشعر) (جمته: شعره).
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واليدين والقدمين، حسن الوجه، لم أر قبله ولا بعده مثله” رواه البخاري.
“كان وجهه مثل الشمس والقمر وكان مستديرا” رواه مسلم.
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنـار وجهه، حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك” متفق عليه.
“كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسماً، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل” حسن رواه الترمذي.
وعن عائشة قالت: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً، حتى أرى منه لهواته، إنما كان ضحكه التبسم” رواه البخاري. (لهواته: أقصى حلقه).
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر” أخرجه الترمذي، وقال: “حديث حسن غريب”، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (إضحيان: مضيئة مقمرة).
2- الجانب الخُلقي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
قد لا يتسع المقال للغوص والتجوال في بستان الجوانب النبوية الشريفة المضيئة بنور الله الأبدي؛ ومن ثمَّ آثرنا ملامسة بعض الجوانب دون أخرى، والتي بإمكان القارئ الكريم العثور عليها في أمَّات المصادر والكتب والمجلات الإسلامية التي تعرف في هذا الظرف الحالك تكالب الأعداء والأدعياء على الإسلام والنبي المختار عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، وإليكم بعض هذه الجوانب المشرقة:
حسن الخلق
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن الخلق وذلك قبل البعثة وبعدها، وقد أكد القرآن الكريم ذلك، في قوله تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”.
وورد عن أنس بن مالك أنه قال: (“لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبَّاباً ولا فحاشاً ولا لعاناً”، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: “ماله ترب جبينه” (رواه البخاري.
خلق الرحمة ولين الجانب
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً، يحب الرفق في قضاء الأمور ويأمر باليسر وينهى عن العسر، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وقد جذبت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من الناس إلى الإسلام، كما كشف لين الجانب عنده صلى الله عليه وسلم عن سرّ التفاف الناس من حوله، ومن ثمَّ قال تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ”.
ومن بالغ رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس أجمعين ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “أن أعرابياً بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تَزرِموه”، ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه”.
مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
المِزاح هو الانبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له، ومن الأمثلة الرقراقة في هذا الباب أن عجوزا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “يا رسول ؛ أدع الله أن يدخلني الجنة”، فقال: “يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز”، قال: فولت تبكي، فقال صلى الله عليه وسلم: “أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: “إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً” (رواه الترمذي في الشمائل وحسنه الالباني).
تواضعه صلى الله عليه وسلم
كان الناس يلمسون تواضعه صلى الله عليه وسلم حتى مع أهله، يساعدهم ويتعاون معهم في مهنة البيت، ومما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان: “يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء” (مدارج السالكين لابن القيم).
شجاعته صلى الله عليه وسلم
ولتبيان ذلك تدبر مقالة فارس الفرسان وقائد القادة علي بن أبي طالب حين قال: “كنا إذا حمي الوطيس واشتدت المعركة اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وهكذا امتزجت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجاعته وشدة بأسه، واجتمع حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع عدله وإقامته حدود الله في الأرض من غير خشية ولا وهن، فكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، بل قرآنا يمشي على الأرض.