من أجلّ المقاصد وأنفع العلوم: العلم بمعاني أسماء الله عز وجلّ الحسنى وصفاته العلا، فإن التعرّف على الله تعالى من خلال أسمائه وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم عبادة الله تعالى ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله.
ومع أهمية هذا الجانب وجلالة قدره، إلا أن ثمة غفلة عنه، فنلحظ التقصير في فقه أسماء الله وصفاته، وإهمال التعبّد والدعاء بها، وضعف الالتفات إلى ما تقتضيه هذه الأسماء الحسنى من الآثار والثمرات.
إن أهمية هذا الموضوع تظهر من خلال الآيات القرآنية المتعددة التي تحض على تدبر القرآن الكريم؛ كما قال سبحانه: “كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ”، وذمّ القرآن من لا يفهمه، فقال تعالى: “فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً” النساء، ولا شك أن فقه أسماء الله تعالى وصفاته يدخل في ذلك دخولاً أوليّاً.
كما أن عبادة الله تعالى ومعرفته آكد الفرائض، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته، قال قوام السنة الأصفهاني (تـ 535 هـ): “قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى: “اعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ” محمد، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها” (الحجة في بيان المحجة 1/122).
وفقه أسماء الله تعالى وصفاته يوجب تحقيق الإيمان والعبادة لله وحده، وإفراده سبحانه بالقصد والحبّ والتوكل وسائر العبادات، كما بيّن ذلك أهل العلم، ولذا يقول العز بن عبد السلام: “فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من: الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات” (شجرة المعارف والأحوال).
ويقول أيضاً: “ذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء..، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه: “اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً”.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: “لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرّب جلّ جلاله ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان..) (مدارج السالكين 3/347).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: “إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها.. بل حقيقة الإيمان أن يعرف الربّ الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين.
وبحسب معرفته بربه، يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه، ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر صفاته وأسمائه من القرآن..) (تفسير السعدي).
والمقصود بالتعبد بأسماء الله تعالى وصفاته: تحقيق العلم بها ابتداءً، وفقه معاني أسمائه وصفاته، وأن يعمل بها، فيتصف بالصفات التي يحبها الله تعالى: كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة.. ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها له تعالى مما ينافي عبوديته لله تعالى، كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت.. فيجب على العبد إزاءها الإقرار بها والخضوع لها.
ومن العمل بها: أن يدعو الله تعالى بها؛ كما قال سبحانه: “وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” الأعراف، كما أن من العمل بها: تعظيمها وإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: “إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به، كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال ونحو ذلك..” (الصفدية 2/338).