تحقيق المرويات في مولد النبي صلى الله عليه وسلم محمد أبوالفتح

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ولد يوم الاثنين، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم الاثنين؟ فقال: “فيه ولدت وفيه أنزل عَلَيَّ” (أخرجه مسلم). ولذلك قال ابن كثير رحمه الله: “وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين” (البداية والنهاية 2/260).

والصحيح أيضا أنه ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وفي ذلك أحاديث:
1- حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
روي عنه من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما. أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/101)، والطبراني في الكبير (12/47)، والحاكم في المستدرك (4180)، وغيرهم. وقال الحاكم بعده: صحيح على شرط الشيخين، وقال الذهبي: على شرط مسلم. قال الشيخ الألباني: “وهو كما قالا، لولا أن أبا إسحاق -وهو السبيعي- مدلس مختلط، ويونس ابنه روى عنه في الاختلاط” (الصحيحة:7/433).

2- حديث قيس بن مخرمة رضي الله عنه قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
روي عنه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده. أخرجه ابن إسحاق في السيرة (1/171)، ومن طريقه أحمد في مسنده (17922)، والترمذي (3619)، والحاكم (4183) وغيرهم. وقال الحاكم بعده: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق. قال الشيخ الألباني: “كان يكون كما قال -بعد أن صرح ابن إسحاق بالتحديث لو أن شيخه المطلب بن عبد الله كان معروفا، وليس كذلك؛ لأنه لم يرو عنه غير ابن إسحاق، ولم يوثقه غير ابن حبان؛ ولذلك مرض توثيقه إياه الذهبي بقوله في الكاشف “وثق”، واقتصر الحافظ في التقريب على قوله فيه “مقبول” يعني عند المتابعة، وقد توبع من سعيد بن جبير عن ابن عباس كما تقدم فالحديث حسن إن شاء الله تعالى، ويقويه اتفاق العلماء عليه” (الصحيحة:7/434).

3- حديث قبات بن أشيم رضي الله عنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل وتنبأ على رأس الأربعين من الفيل.
روي عنه من طريق الزبير بن موسى عن أبي الحويرث. أخرجه الطبراني (19/37)، والحاكم (6624)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (1387) وغيرهم. الزبير بن موسى قال فيه الحافظ في التقريب مقبول. وشيخه أبو الحويرث متكلم فيه.
فالحاصل أن هذه الطرق وإن كانت آحادها ضعيفة، فبعضها يقوي بعضا، خاصة وأن الإجماع قد استقر على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل.
قال خليفة بن خياط: المجتمع عليه عام الفيل (التاريخ ص:2).
وقال ابن عبد البر: ولا خلاف أنه ولد عام الفيل (الاستيعاب1/10). وهناك أقوال أخرى في العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت منها شيء، فقيل: بعد الفيل بثلاثين سنة قاله الزهري وموسى بن عقبة، (قال إبراهيم بن المنذر وغيره: هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا).
وقيل: بعد الفيل بثلاث وعشرين سنة، (قال الذهبي: هذا حديث ساقط)، وقيل بعد الفيل بأربعين سنة، بعشر سنين، قاله ابن أبزى (قال الذهبي هذا قول منقطع)، وقيل بعد الفيل بأربعين عاما (قال ابن كثير: وهذا غريب جدا)، وقيل: قبل الفيل بخمس عشرة سنة (قال ابن كثير: غريب ومنكر وضعيف، وكذبه الذهبي). [انظر هذه الأقوال والتعليق عليها في البداية والنهاية لابن كثير2/262 وتاريخ الإسلام للذهبي1/3].
وأما عن شهر ولادته صلى الله عليه وسلم، فالمشهور أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شهر ربيع الأول، روى ذلك ابن عساكر (3/68) من طريق المعلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن جعفر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: قال ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في ربيع الأول، لكن المعلى بن عبد الرحمن متهم بالوضع. فلم يثبت من طريق مسند أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع الأول وإن كان هو المشهور عند أصحاب السير. وقال بعض أهل العلم: ولد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، لكنه لم يثبت أيضا.
وأما يوم ولادته صلى الله عليه وسلم فالخلاف فيه أشد. فالمشهور الذي قاله ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، لكنه معضل لم يسنده ابن إسحاق.
قال ابن كثير في البداية (2/259): “..ثم الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول، فقيل لليلتين خلتا منه: قاله ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني. وقيل لثمان خلون منه: حكاه الحميدي عن ابن حزم، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه “التنوير في مولد البشير النذير”. وقيل لعشر خلون منه: نقله ابن دحية في كتابه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبي.. والقول الثاني: أنه ولد في رمضان، نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جدا، وكأن مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه في رمضان بلا خلاف، وذلك على رأس أربعين سنة من عمره، فيكون مولده في رمضان، وهذا فيه نظر. والله أعلم”.
فالحاصل أن الثابت في مولد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوم الإثنين، عام الفيل، ولم يثبت أنه في الثاني عشر من شهر ربيع الأول؛ بل إن غير واحد من العلماء رجحوا أنه في اليوم الثامن منه كما تقدم. فلست أدري ما حجة الذين يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول! بل إن هذا الخلاف مما يؤكد أن السلف لم يكونوا يحتفلون به؛ إذ لو فعلوا لاتفقت كلمتهم على تحديده. والله تعالى أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *