منزلة النصيحة “لا ينصحك في الله إلا من خاف الله فيك”

من أجلِّ منازل السائرين إلى الله تعالى، ومقامات الصالحين، منزلة النصيحة كما قال عليه الصلاة والسلام: “الدين النصيحة ثلاثا.

قلنا: لمن يا رسول الله؟
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه مسلم.
قوال السعدي رحمه الهي في وصف السائرين إليه سبحانه:
نصحوا الخليقة في رضا محبوبهم بالعلم والإرشاد والإحسان
والنصيحة كما في لسان العرب: “نصح الشيء أي خلص وصار صافيا، ولذا يقال: عسل ناصح أي: خالص” اهـ.
فالنصح تخليص الشيء من الشوائب المكدرة له كما في المعجم الوسيط.
أما شرعا فقال محمد بن نصر المروزي رحمه الله: “قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة: هو عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان” تعظيم قدر الصلاة 2/691.
فالنصيحة إذن عمل قلبي يطيب به السير إلى الله تعالى، وتطوى به مراحل الارتقاء إلى المقامات السنية.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: “ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور والنصح للأمة” جامع العلوم والحكم 1/225.
وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: “ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره”.
قال ابن علية في قول المزني هذا: “الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل، والنصيحة لعباده” جامع العلوم والحكم 1/225.
وعليه كانت النصيحة لعباد الله من صفات الأنبياء والصالحين.
قال تعالى: “أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”.
ومن المواقف العظيمة في هذا الباب أن رجلا ادعى كذبا أن له في ذمة الإمام ابنة سيرين رحمه الله درهمين فأبى الإمام أن يعطيه إياهما.
فقال له الرجل: أتحلف؟ وهو يظن أنه لا يحلف من أجل درهمين.
فقال ابن سيرين رحمه الله نعم، وحلف له.
فقال له الناس: يا أبا بكر أتحلف من أجل درهمين وأنت الذي تركت أمس أربعين ألف درهم في شيء رابك، مما لا يرتاب فيه أحد غيرك؟.
فقال: نعم أحلف، فإني لا أريد أن أطعمه حراما وأنا أعلم أنه حرام” صور من حياة التابعين للباشا 129.
وجماع مجالات النصيحة للمسلمين كما ذكر السعدي رحمه الله قال: “ونصيحة عموم المسلمين: أن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويعلم جاهلهم، وينصح من يراه مخلا بواجب، أو متجرئا على محرم، وإرشاد الناس على اختلاف طبقاتهم إلى ما فيه صلاح لهم في أمر دينهم وأمر دنياهم، والدعوة إلى ذاك كله ومجانبة غشهم في الأقوال والأفعال والمعاملات، وأداء الحقوق لمن له حق على إنسان” الفتاوى السعدية 49.
وقال الإمام ابن حبان في روضة العقلاء: “الواجب على كل عاقل أن يلزم النصيحة للمسلمين عامة وترك خداعهم”.
وسئل عبد الله بن المبارك: أي الأعمال خير قال: “النصح لله”.
وقال معمر بن راشد: “لا ينصحك في الله إلا من خاف الله فيك”.
وليعلم أن أسس النصيحة: العلم والإرشاد والإحسان.
فالعلم: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.
والإرشاد: نصح بلا بغي، وهو إشارة إلى التوسط والاعتدال.
أما الإحسان: القصد به هنا: الترفق عند النصح فإن الإحسان من الحسن والرفق.
فكن ناصحا لعباد الله تعالى لا مؤنبا لهم، والفرق بينهما كما قال ابن القيم رحمه الله: “أن النصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه، فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه…
وأما المؤنب فهو رجل قصده التعيير والإهانة وذم من أنَّبه في صورة النصح..
ومن الفروق بين الناصح والمؤنب، أن الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته.. والمؤنب ضد ذلك” الروح 347-348.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *