إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير زينب أمرير

مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَال: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ».

ثم دعا بجريدتين فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ فقال: “لعله أن يخفف عنهما مالم تيبسا”. رواه البخاري ومسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكثر عذاب القبر من البول” صحيح الجامع 1202.
” قال بن دقيق العيد رحمه الله: ..الكلام عليه من وجوه:
أحدها: تصريحه بإثبات عذاب القبر على ما هو مذهب أهل السنة واشتهرت به الأخبار وفي إضافة عذاب القبر إلى البول تخصه دون سائر المعاصي، مع أن العذاب بسبب غيره أيضا، إن أراد الله عز وجل ذلك في حق بعض عباده.
الثاني: قوله “وما يعذبان في كبير” يحتمل -من حيث اللفظ- وجهين والذي يجب أن يحمل عليه منهما: أنهما لا يعذبان في كبير إزالته أو دفعه أو الاحتراز عنه، أي إنه سهل يسير على من يريد التوقي منه، وبه جزم البغوي وغيره وذكره الحافظ في الفتح.
ولا يريد بذلك: أنه صغير من الذنوب غير كبير منها، لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث “وإنه لكبير” فيحمل قوله “وإنه لكبير” على كبر الذنب.
الثالث: قوله “أما أحدهما: فكان لا يستتر من بوله” هذه اللفظة -أعني يستتر- قد اختلفت فيها الرواية على وجوه وهذه اللفظة تحتمل وجهين:
أحدهما: الحمل على حقيقتها من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة.
والثاني: وهو الأقرب: أن يحمل على المجاز ويكون المراد بالاستتار: التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، أو بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به، كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازا، ووجه العلاقة بينهما: أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجحنا المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لوجهين:
أحدهما: أنه لو كان المراد: أن العذاب على مجرد كشف العورة: كان ذلك سببا مستقلا أجنبيا عن البول، فإنه حيث حصل الكشف للعورة حصل العذاب المرتب عليه، وإن لم يكن ثمة بول فيبقى تأثير البول بخصوصه مطرح الاعتبار والحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضا فإن لفظة “من” لما أضيفت إلى البول -وهي غالبا لابتداء الغاية حقيقة، أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا- تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى.
الوجه الثاني: أن بعض الروايات في هذه اللفظة يشعر بأن المراد: التنزه من البول وهي رواية وكيع” لا يتوقى” وفي رواية بعضهم “لا يستنزه”1 فتحمل هذه اللفظة على تلك، ليتفق معنى الروايتين” اهـ.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وقد ذكر العلماء فيه تأويلين:
أحدهما:أنه ليس بكبير في زعمهما.
والثاني: أنه ليس بكبير تركه عليهما.
وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى تأويلا ثالثا: أي ليس بأكبر الكبائر. اهـ
قال الحافظ في الفتح: “وفيه التحذير من ملابسة البول ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب” اهـ
قال النووي رحمه الله تعالى: “وسبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة والسعي بالفساد من أقبح القبائح لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم كان يمشى بلفظ كان التي للحالة المستمرة غالبا والله اعلم” اهـ.
قال بن رجب رحمه الله في كتابه أهوال القبور وأحوال أهلها: “وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة والغيبة بعذاب القبر وهو أن القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان حق الله وحق لعباده، وأول ما يقضي فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد والدماء، وأما البرزخ فقضي فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلها، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة الوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما” اهـ.
فنسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- وفي رواية: لا يستبرئ من البول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *