عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يبيع حاضر لباد” .
عن أنس رضي الله عنه قال: “نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه” .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى: “لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض” .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تلقَّوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد”، قال طاوس: فقلت لابن عباس: ما قوله “لا يبيع حاضر لباد”؟ قال: لا يكون له سمسار .
من مسائل الباب
المسأله الأولى: تفسير الحاضر والباد
الحاضر: ساكن الحضر، والبادي: ساكن البادية، قال في القاموس: الحضر، والحاضرة، والحِضَارة، ويفتح: خلاف البادية، والحَضَارة: الإقامة في الحضر، ثم قال والحاضر خلاف البادي ، وقال: البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر، وتبدى: أقام بها، وتبادى: تشبه بأهلها، والنسبة بداوي وبدوي، وبدا القوم: خرجوا إلى البادية. انتهى .
المسألة الثانية: صورة بيع الحاضر للباد
صورته: “أن أهل البادية كانوا يحملون إلى البلد أمتعتهم فيبيعونها بسعر اليوم ويرجعون لكثرة المؤنة في البلد، فيكون مِن بَيْعِهم رفقٌ لأهل البلد وسعة، فكان الرجل من أهل البلد يأتي البدوي ويقول له: ضع متاعك عندي حتى أتربص لك وأبيعه على مر الأيام بأغلى، فيفوت بفعله رفق أهل البلد، فنهى الشرع عن ذلك” ، ونصّ الشوكاني على أنه لا فرق بين أن يتولى الحاضر البيع للباد على التدريج أودفعة واحدة”.
المسألة الثالثة: علة النهي عن بيع الحاضر للباد
علة النهي عن هذا البيع عند الجمهور ما يؤدي إليه من الإضرار بأهل البلد والتضييق على الناس لأنه متى تُرِك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص وكانوا في سعة، فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد، ضاق على أهل البلد .
المسألة الرابعة:
قال الشوكاني رحمه الله: وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا أو أجنبيا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه على التدريج أم دفعة واحدة .
المسألة الخامسة: (هل يبيع حاضر لباد بغير أجر وهل يعينه أو ينصحه)
اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة فذهبت طائفة إلى أن بيع الحاضر للباد محرم سواء كان بأجرة أم لا، وذهبت طائفة أخرى إلى جواز ذلك إذا كان بغير أجرة وأنه من باب النصيحة، وقد قال هذا القول الإمام البخاري.
قال الحافظ: قال ابن المنير وغيره: جعل المصنف النهي عن بيع الحاضر للبادي على معنى خاص، وهو البيع بالأجر أخذا من تفسير ابن عباس، وقرن ذلك بعموم أحاديث (الدين النصيحة). قال الحافظ ويؤيده ما سيأتي في بعض طرق الحديث المعلق أول أحاديث الباب، وكذلك ما أخرجه أبو داود من طريق سالم المكي “أن أعرابيا حدثه أنه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيد الله فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك وأنهاك” .
المسألة السادسة: هل يجوز للحاضر أن يشتري للباد؟
قال الشوكاني (رحمه الله): واعلم أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي، كذلك لا يجوز أن يشتري له، وبه قال ابن سيرين والنخعي، وعن مالك روايتان ويدل ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال: كان يقال: “لا يبع حاضر لباد” وهي كلمة جامعة لا يبيع لدينا ولا يبتاع لدينا، ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد.. وعلى فرض عدم ورود نص يقتضي بأن الشراء حكمه حكم البيع فقد تقرر أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما، كما أن لفظ الشراء يطلع على البيع لكونه مشتركا بينهما، والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنييه أو معانيه معروف في الأصول، والحق الجواز إن لم يتناقضا” .
وبالله التوفيق