أحاديث لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” الأستاذ محمد أبو الفتح

هو جزء من حديث أخرجه الطبراني في “الأوسط” (7473)، و”الصغير”(907) من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم”. قال الطبراني بعده: “لا يُروى هذا الحديث عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن أبي جعفر الرازي”. وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (1/389): “قلت: وهو ضعيف من أجل عبد الله بن أبي جعفر وأبيه؛ فإنهما ضعيفان”.
وقد رُوي الحديث عن حذيفة من طريق أخرى أخرجها الحاكم في المستدرك (7889)، لكن في إسنادها إسحاق بن بشر البخاري، كذبه علي بن المديني و الدارقطني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كذاب (لسان الميزان1/355). ولذلك قال الذهبي في التلخيص: أحسب الخبر موضوعا.
وللحديث شاهد عن ابن مسعود: أخرجه الحاكم (7902) وفي إسناده إسحاق بن بشر الذي تقدم ذكره، ومقاتل بن سليمان وقد كذبوه أيضا، ولذلك قال الذهبي في التلخيص بعد هذا الحديث: “إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين”.
وللحديث شاهد آخر عن أبي ذر: أخرجه الطبراني في الأوسط (471)، وقال بعده: “لا يُروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد تفرد به يزيد بن ربيعة”. ويزيد بن ربيعة قال فيه البخاري: أحاديثه مناكير. وقال النسائي والدارقطني والعقيلي: متروك. وأنكر أبو حاتم أحاديثه عن أبي الأشعث، وهذا منها. (انظر لسان الميزان 6/286).
وللحديث شاهد ثالث عن أنس: أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/48)، والبيهقي في الشعب (7/361)، وفي إسناده وهب بن راشد الرقي. قال فيه ابن عدي: ليس حديثه بالمستقيم، أحاديثه كلها فيها نظر. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. وسئل عنه أبو حاتم فقال: منكر الحديث، حدث بأحاديث بواطيل. وقال العقيلي: منكر الحديث. (انظر لسان الميزان 6/230). وللحديث طرق أخرى عن أنس كلها واهية (انظر الضعيفة للشيخ الألباني1/388).
فالحاصل أن الحديث ضعيف وشواهده كلها واهية لا تصلح للاعتبار.
ويُغني عن هذا الحديث الضعيف قوله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” رواه مسلم. فكما أن العضو الواحد من جسم الإنسان إذا اشتكى اهتم له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ فكذلك إذا أصاب مسلما واحدا أو بعض المسلمين مكروه، وجب أن يهتم لهم جسد الأمة الإسلامية كلها، وكل من لم يهتم لأمر المسلمين، ولم تأخذه الحمّى مع باقي جسد الأمة، فإن في صدق انتمائه إليها نظر؛ وعليه فإن هذا الحديث الضعيف: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” حديث صحيح المعنى ، وإن كانت لا تصح نسبة لفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس كل معنى صحيح تجوز نسبته إلى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وإلا وقعنا في الوعيد الشديد الذي توعد به النبي صلى الله عليه وسلم المفترين عليه، حين قال: (مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) (رواه البخاري بهذا اللفظ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه). فحسبنا أن نستدل بما صح عنه صلى الله عليه وسلم فإن في الصحيح غُنية عن الضعيف لمن عقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *