لكل سبيل مطية ومطية الفهم حسن التصور، قال الخطيب في الفقيه والمتفقه (229):
النظر ضربان:
ضرب هو: النظر بالعين فهذا حده الإدراك بالبصر.
والثاني: النظر بالقلب، فهذا حده الفكر في حال المنظور فيه.
والمنظور فيه: هو الأدلة والأمارات الموصلة إلى المطلوب.
والمنظور له هو: الحكم لأنه ينظر لطلب الحكم. اهـ
فالطلب تبع للتصور، وهو حياة العلم، وتمامه عقل راجح ونظر ثاقب ومعرفة بالكتاب والسنة، وآلات ذلك وملكة ودربة لاستخراج الأدلة من مظانها. ولا زال أهل العلم يرغبون في النظر ويحثون الطلبة على المدارسة والمذاكرة لمعرفة حسن النظر والفهم والتصور.
“فمن تصور الشيء على وجهه فقد اهتدى إليه، ومن عرف دليل ثبوته فقد عرف البينات، فالتصور الصحيح اهتداء، والدليل الذي يبين التصديق بذلك التصور بينات، والله أنزل الكتاب هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”.
فمن حرمه فقد ضل عن سواء صراط الدليل الصحيح، و العجلة والتسرع في النفي أو الإثبات صفة كاشفة.
وتحرير موارد النزاع تحرير التصور وبيان حقيقة المسائل، وفي هذا دفع بحجز الهوى البغيض والعصبية المقيتة.
ولا شك أن فساد الأصول يورث فسادا في التصور و”من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعدا”.
“ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلَّم، فهو من الأصل المعلَّم”
فالهداية والتوفيق إلى فهم المراد بسلامة الأصل، قال تعالى: “وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ”.
فلا يجوز التزام القواعد المبتدعة لفهم المراد ففسادها فساد التصور، “فالواجب: الكشف عن هذه القواعد وتمحيصها قبل التزامها” وعصمة ذلك النظر في قواعد السلف.
فالمقصود والغاية معرفة وفهم المراد، وأصله حسن التصور ووسيلته الطلب وحقيقته التعبير، فما لم يتصور ما يقوله كان نصيبه الخطأ والزلل.