شرح الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع الشيخ محمد برعيش الصفريوي

نص:
          وذكــرها في أول الفواتــح       والحمــد  لله  لأمــر واضـــح      
شرح:
قوله: (وذكرها) معطوف على قوله (ولا خلاف عند ذي قراءة في تركها…).
ومعنى هذا البيت: ولا خلاف عند القراء أيضا في قراءة البسملة في أوائل السور.
إذا ابتدأ بها القارئ ما عدا في براءة.
وقد حكى ابن الباذش رواية بتركها لورش في الفواتح وهو قول شاذ.
قوله: (والحمد لله لأمر واضح) أي الحمد الله تعالى لأمر واضح بمعنى بين وهذا الأمر الواضح قيل هو ترك البسملة في أول براءة من جميع المصاحف العثمانية وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك وذكرها في أول السور بإجماع أهل الأداء على ذلك.
           واختارها بعض أولي الأداء    لفضلها في أول الأجـــــــزاء
قوله: (واختارها) أي: واختار البسملة اختيار استعمال.
قوله: (بعض أولي الأداء) أي بعض علماء التجويد من الشيوخ المتقدمين ومفهوم هذا أن بعضهم لم يخترها وعليه فالقارئ مخير بين البسملة بعد التعوذ في الأجزاء وبين تركها.
قال أبو عمرو الداني: فأما الابتداء برؤوس الأجزاء التي في بعض السور فأصحابنا يخيرون القارئ بين التسمية وتركها في مذهب الجميع. التيسير ص:14.
وعليه قول الشاطبي: وفي الأجزاء خير من تلا.
قلت وممن اختارها في الأجزاء أبو داود سليمان بن نجاح تلميذ الداني وابن الجزري والمنتوري في قراءته على البعض.
وأصل هذا الاختيار ما أخرجه الداني في جامع البيان عن ابن عباس أنه كان يفتتح القراءة بالبسملة وهذا عام يدخل فيه أوائل السور والأجزاء والخموس والعشور والآي. جامع البيان ص 121 من الطبعة الحجرية.
وكذلك ما ورد عن إسحاق بن المسيبي أنه قال: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور بالبسملة.
وممن لم يخترها في الأجزاء الإمام الداني والقيجاطي والنتوري في قراءته على الأكثرين.
وعلى ذلك  أكثر الشيوخ من أهل الأداء. المنتوري على الدرر اللوامع الورقة 134/أ.
قال الداني: وبغير تسمية ابتدأت رؤوس الأجزاء على شيوخي الذين قرأت عليهم في مذهب الكل وهو الذي أختار ولا أمنع من التسمية. جامع البيان ص:121 من الطبعة الحجرية.
وذهب بعضهم إلى أن البسملة في أواسط السور تكون عمن فصل بها بين السورتين دون من لم يفصل. الفجر الساطع 1/412.
وممن قال به ابن البادش في الإقناع.
قوله: (لفضلها) معناه: لأجل ما ورد في شأنها من الثواب والأجر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك لأجل التبرك بتلاوتها لأنها  تشتمل على اسم الله تعالى.
قوله: (في أول الأجزاء)[1] أي: في أبعاض السور التي داخلها وهي رؤوس الأجزاء سواء كانت أحزابا أو أنصافا  أو أرباعا أو أثمانا أو غير ذلك.
كالابتداء بـقوله تعالى (إنما السبيـل) أو بقوله تعالى (سيقول السفهاء) أو قوله تعالى (ما ننسخ من آية) أو قوله تعالى (سارعوا إلى مغفرة) أو غير ذلك.
هذا ما لم يكن الجزء أول سورة فحينذاك لابد منها.
وروى ابن غلبون عن ورش في رواية ترك البسملة أنه يبسمل في جزأين وهمـا: (الله لا إله إلا هو) و(إليه يرد علم الساعة) لأجل قبح اتصال لفظ الرجيم من آخر التعوذ بذلك.
وقال بعضهم لا خصوصية لهذين الموضعين بل كل لفظة جلالة أو ضمير يعود إليه.
كقوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، (الله الذي يرسل الرياح)، (الله الذي يرسل خلقكم من ضعف)، و(إليه يرد علم الساعة)، (إليه مرجعكم جميعا)، (إليه يصعد الكلم الطيب).
وإنما يظهر القبح في ذلك إذا وصل التعوذ بمثل هذه الأجزاء[2].
ولذلك اختار أبو محمد مكي القيسي أن يرجع  القارئ إلى قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها)… فيصله بـ(الله لا إله إلا هو وهذا إذا ترك البسملة كوصل التعوذ بالآية، وأما من وقف على التعوذ ثم قرأ الآية فلا قبح، وكذلك من يبسمل بعد التعوذ فلا إشكال فيه. تحصيل المنافع ص:48.

مسألة: هل أجزاء براءة كغيرها فيه خلاف قل من تعرض له

قال ابن الجزري: واستثنى بعضهم وسط براءة وأجازه بعضهم وكلاهما محتمل.اهـ
قلت: وقد قال بالبسملة فيها أبو الحسن السخاوي ورده عليه الجعبري الإتقان للسيوطي 1/282.
قال أبو إسحاق الجعبري: إن كان نقلا فمسلم وإلا فرد عليه لأنه تفريع على غير أصل ومصادم لتعليله. النشر 1/306.
قال ابن الجزري: وكلاهما يحتمل: الصواب أن يقال: إن من ذهب إلى ترك البسملة في أوساط غير براءة لا إشكال في تركها عنده في وسط براءة وكذا لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التفصيل، إذاً البسملة عندهم في وسط السورة تبع لأولها.
ولا تجوز البسملة أولها فكذلك وسطها. وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقاً فإن اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة من أولها وهي نزولها بالسيف كالشاطبي ومن سلك مسلكه لم يبسمل؛ وإن لم يعتبر بقاء أثرها أو لم يرها علة بسمل بلا نظر. النشر 1/306.

تنبيه: وجه استعمال البسملة في أول الأجزاء التبرك باسم الله تعالى ووجه تركها موافقة المصحف.
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد والله تعالى أعلى وأعلم.

[1]  قال الجعبري :ولام الأجزاء عهدية فيحمل على الأجزاء الاصطلاحية وهو ظاهرعبارة  التيسير والأظهر أن تكون جنسية لعدم المعهود اللفظي فيحمل على الأجزاء اللغوية حتى يبسمل أول كل بعض ابتدأ به  هـ كنز المعاني للجعبري نقلا عن الفجر الساطع لابن القاضي 1/411.
[2]  قد اعترض ابن مطروح على هذا قائلا : ( القرآن منزه عن قبح اللفظ كيفما قرأ القارئ في الأجزاء وفي السور الأربع فلا قبح في ذلك كله ولا في وصل التعوذ ب ( الله لا إله إلا هو ) ولا ب ( إليه يرد علم الساعة ) ولا غير ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *