شرح الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع الشيخ محمد برعيش الصفريوي

شروط الشيخ المتلقى عنه 

قال ابن مجاهد: فمن حملة القراءات المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات؛ العارف باللغات ومعاني الكلمات؛ البصير بعيب القراءات؛ المنتقد للآثار؛ فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين؛ ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك؛ فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه.
ثم ذكر رحمه الله من لا يعتمد عليه فقال: ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلا الأداء لما تعلم؛ لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده؛ فيضع الإعراب لشدة تشابهه.. وقد ينسى الحافظ فيضع السماع وتشتبه عليه الحروف فيقرأ بلحن لا يعرفه؛ وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه عسى أن يكون عند الناس مصدقا؛ فيحمل ذلك عنه وقد نسيه ووهم فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ على من نسي وضيع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهم؛ فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بقوله.
ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعاني ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين؛ فيكون مبتدعا وقد رويت في كراهة ذلك أحاديث. (السبعة ص 45ـ46).
وقال أبو عمرو الداني: “وقرّاء القرءان متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً، وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً، وهو الغبيّ الفهه، والعلم فطنةً ودرايةً آكذ منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها وعلمها، وللرواية نقلها وتعلّمها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.”. (التحديد ص:67).
وقال مكيّ القيسي “القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد: فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً، فذلك الوهن الضعيف؛ لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف؛ إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً. فالرواية لها نقلها، والدراية لها ضبطها وعلمها. فإذا اجتمع للمقرئ النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة. (الرعاية في تجويد القرآن ص90).
معايب بعض مشايخ القراءة
الأخذ على الإجازة
قال السيوطي: “فائدة ثالثة: ما اعتاده كثير من المشايخ القراء من امتناعهم من الإجازة إلا بأخذ مال في مقابلها لا يجوز إجماعا؛ بل إن علم أهليته وجب عليه الإجازة. وفي فتاوى الصدر موهوب الجزري من أصحابنا أنه سئل عن شيخ طلب من الطالب شيئا على إجازته فهل للطالب رفعه إلى الحاكم وإجباره على الإجازة؟
فأجاب: لا تجب الإجازة على الشيخ ولا يجوز أخذ الأجرة عليها.
وسئل أيضا عن رجل أجازه الشيخ بالإقراء ثم بان أنه لا دين له وخاف الشيخ من تفريطه؛ فهل له النزول عن الإجازة؟
فأجاب: لا تبطل الإجازة بكونه غير دين؛ وأما أخذ الأجرة على التعليم فجائز ففي البخاري: “إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله”، وقيل إن تعين عليه لم يجز واختاره الحليمي، وقيل لا يجوز مطلقا؛ وعليه أبو حنيفة، لحديث أبي داود عن عبادة بن الصامت أنه علَّم رجلا من أهل الصفة القرآن فأهدى له قوسا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها”.
وأجاب من جوزه بأن في إسناده مقالا ولأنه تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا ثم أهدى إليه على سبيل العوض؛ فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم.
وفي البستان لأبي الليث التعليم على ثلاثة أوجه:
أحدها: للحسبة ولا يأخذ به عوضا.
والثاني: أن يعلم بالأجرة.
والثالث: أن يعلم بغير شرط فإذا أهدي إليه قبل.
فالأول مأجور وعليه عمل الأنبياء؛ والثاني مختلف فيه والأرجح الجواز؛ والثالث يجوز إجماعا لأن النبي كان معلما للخلق وكان يقبل الهدية. (الإتقان 1/271).
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد وقد بقي في الموضوع بقية؛ نرجؤها إلى العدد القادم إن شاء الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *