1- الاستعداد ليوم يحكم فيه بين الخلائق حكما لا ظلم فيه ولا جور:
يوم قال عنه الحكم العدل سبحانه: “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ” [الأنبياء 47]، وقال تعالى ذكره: “الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ” [الحج 56]، وقال جل شأنه: “اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” [الحج 69]، وقال جل جلاله: “إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ” [النمل 78].
وقال عز من قائل في غير موضع من كتابه: “.. لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”، فأثبت سبحانه لنفسه الحكم وعقب بأننا راجعون إليه، وفي هذا تحذير وأمر للاستعداد لهذا اليوم الذي يكون فيه الحكم لله لا لغيره.
ومن أعظم ما يجب الاستعداد به لذلك اليوم:
* توحيده سبحانه ونبذ كل أنواع الشرك، قال تعالى: “وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” [القصص 88].
* التوبة النصوح، فإنها والله من أعظم ما يلقى به العبد ربه، أن يقبل عليه منيبا تائبا، كيف لا والتوبة مفتاح الفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [النور 31].
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير آخر آية من سورة القصص: (“لَهُ الْحُكْمُ” في الدنيا والآخرة، و”إِلَيْهِ” لا إلى غيره “تُرْجَعُونَ”، فإذا كان ما سوى الله باطلا هالكا والله هو الباقي الذي لا إله إلا هو، وله الحكم في الدنيا والآخرة، وإليه مرجع الخلائق كلهم ليجازيهم بأعمالهم، تعين على من له عقل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويعمل لما يقربه ويدنيه ويحذر من سخطه وعقابه وأن يقدم على ربه غير تائب ولا مقلع عن خطاياه وذنوبه) (تيسير الكريم الرحمن ص:576).
* اجتناب الظلم بكل أشكاله وأنواعه فإنه عين الإفلاس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم وقذف هذا، وأكل مال وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” مسلم.
2- تنزيه الله تعالى عن العبث:
فمن آثار الإيمان باسم الله الحكيم اعتقاد أن الله جل وعلا لا يفعل فعلا ولا يخلق خلقا ولا يشرع شرعا إلا لحكم قد نعلمها وقد لا نعلمها، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ” [ص 27]، وقال تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ” [المؤمنون 115]..
فعلينا أن نوقن أن الله تعالى حكيم في شرعه حكيم في خلقه . لا يخلق ولا يشرع لمجرد المشيئة بل لحكم.
وقد ضل في هذا الباب طوائف من أهل الكلام؛ كالأشاعرة الذين نفوا عن الله تعالى الحكمة، وقالوا: إنه تعالى يفعل لمجرد المشيئة.
يقول الدكتور سفر الحوالي حفظه الله في معرض كلامه عن أصول الأشاعرة في باب العقيدة: “ينفي الأشاعرة قطعا أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة تقضي إيجاد الفعل وعدمه.. وهو رد فعل لقول المعتزلة بالوجوب على الله حتى أنكر الأشاعرة كل لام تعليل في القرآن، وقالوا: إن كونه يفعل شيئا لعلة ينافي كونه مختارا مريدا، وهذا الأصل تسميه بعض كتبهم “نفي الغرض عن الله” ويعتبرونه من لوازم التنزيه، وجعلوا أفعاله تعالى كلها راجعة إلى محض المشيئة ولا تعلق لصفة أخرى كالحكمة مثلا بها، ورتبوا على هذا أصولا فاسدة كقولهم بجواز أن يخلد الله في النار أتقى أوليائه، ويخلد في الجنة أفجر الكفار، وجواز التكليف بما لا يطاق. وسبب هذا التأصيل الباطل عدم فهم ألا تعارض بين المشيئة والحكمة أو المشيئة والرحمة. ولهذا لم يثبت الأشاعرة الحكمة من الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة، مع أن الحكمة تقتضي الإرادة والعلم وزيادة” .